في الأسبوع الماضي كتب صديقي الوفي طه النعمان مقالاً تطرق فيه لتصريحات وزير الخارجية مولانا علي كرتي عندما علق الوزير على تعيين مبعوث أمريكي جديد للسودان ودولة جنوب السودان- وفي تقديري أن حديث الوزير كرتي واضح وفصيح وبائن وليس فيه تناقضات كما قال صديقي طه النعمان. بهذه المناسبة أريد أن ألفت نظر النعمان إلى أنه قلما يقع أهل القانون في تناقضات وقد خفى على صديقي طه النعمان أن علي كرتي من مقدمة دفعته التي تخرجت في القانون في جامعة الخرطوم. ونرجع إلى موضوعنا.. قال علي كرتي في حديثه موضوع هذه المساهمة المتواضع من جانبي.. قال: نحن (ويعني وزارة الخارجية) على استعداد تام للتعامل مع الإدارة الأمريكية إن حسنت نواياها وأصبحت جادة وصادقة في توجهها للمساعدة في استقرار السودان- هذه هي الجملة الأولى من حديث الوزير وهي في تقديري جملة مفيدة ولا أرى تناقضاً قد شابها ولا يختلف حولها حسب رأيي المتواضع.. أي من أهل السودان لأنها تعني وببساطة وبكل وضوح أن وزارة الخارجية السودانية مستعدة للتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية متى ما غيّرت الأخيرة من مواقفها السابقة وتراجعت عنها وعبّرت عن رغبتها الصادقة في المساعدة على استقرار السودان والمساهمة بتجرد تام في تخطي المشاكل المعلقة مع الدولة الوليدة المسماة بدولة جنوب السودان. أما الجملة الثانية من حديث الوزير كرتي قوله بأن تجربة وزارة الخارجية مع مبعوثي الإدارة الأمريكية السابقين غير مشجعة، بل عكس ذلك ساهمت في عدم استقرار السودان وفي تعقيد مشاكله مع دولة جنوب السودان. في تقديري أن هذه الجملة الثانية من حديث الوزير كرتي لا يمكن لأي محلل مستقل أن يصفها بالتناقض، وأضاف كرتي أن على المبعوث الأمريكي الجديد إن أراد فعلاً التعامل مع وزارة الخارجية أن تكون لديه خريطة طريق لتعرف وزارة الخارجية نواياه ومن ثم تقرر كيف تتعامل معه. بهذا الفهم الموضوعي لمهمة المبعوث الأمريكي الجديد قد سدت وزارة الخارجية الطريق أمامه ليسلك سلوك من سبقوه عندما تحولوا لأبواق تردد كالببغاوات أطروحات الجبهة الثورية العميلة ومنظمات المجتمع الدولي المأجورة. وفي هذا الحال علينا كمراقبين لما يدور في السودان أن نصفق لوزارة الخارجية ووزيرها لأنهم في هذه المرة قد عبّروا عن موقف الأغلبية الغالبة من أهل السودان.. وأنا من ناحيتي لا أقبل أن يتعامل معنا المبعوث الأمريكي الجديد بالقطّاعي وعليه إن أراد بالفعل التعامل البناء مع وزارة الخارجية أن يفصح عن برنامجه وماذا يريد تحقيقه- وبالعدم فلا تعامل معه- شكراً لوزارة الخارجية وعلي كرتي لهذا الموقف الشجاع والمنطقي حول كيفية التعامل مع المبعوث الأمريكي الجديد. وقد استرعى انتباهي وأنا أقرأ مقالة طه النعمان ما وقع فيه من خطأ تاريخي عندما قال بأن الولاياتالمتحدة قد فصلت جنوب السودان من شماله.. أنا شخصياً لا أغفر لصحفي في قامة طه النعمان هذا الخطأ.. طه النعمان لم يأتِ للصحافة (فاقد تعليمي).. بل جاء للصحافة ساعياً إليها محباً للمهنة مثله ومثل رفاقه من الصحفيين الذين تخرجوا في جامعة الخرطوم وولجوا مهنة الصحافة ومن بينهم الخاتم عدلان رحمه الله وعادل الباز أطال الله في عمره وكذلك الحاج وراق والمرحوم محمد طه محمد أحمد، بهذه المناسبة أقول بأن في عهد هؤلاء لم تكن في جامعة الخرطوم كلية للإعلام- بل تخرج أغلب هؤلاء في الآداب والقانون.. وقد سبقهم الصحفي القامة فضل الله محمد الذي تخرج في كلية القانون جامعة الخرطوم. الخطأ التاريخي الذي وقع فيه الصحفي والصديق الصدوق طه النعمان هو قوله بأن الإدارة الأمريكية قد فصلت جنوب السودان من شماله- هذا خطأ لأن الحقيقة الموثقة تقول بأن الجهة التي فعلت ذلك هي سلطة الإنقاذ الحاكمة عندما اختارت في عام 2003م الخيار الثاني من اتفاق مشاكوس الإطاري الذي منح الجنوبيين حق تقرير المصير الذي نتج عنه الانفصال. ويعلم طه النعمان وهو من مثقفي بلادنا بأن القانون الدولي لا يسمح إطلاقاً بتفتيت وحدة الدولة المستقلة إلا باتفاق الأطراف وهذا ما حدث في السودان، عندما قبلت سلطة الإنقاذ هذه المغامرة بمنح الجنوبيين حق تقرير المصير.ربما يكون طه النعمان صادقاً إذ قال بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد حرضت الجنوبيين على التصويت للانفصال. أخي طه لكل حصان كبوة، وقد كبوت هذه المرة لكني استمتع بقراءة مقالك الراتب في «آخر لحظة» المحترمة وفي دي أنت غلطان!!