نعم لكل فعل رد فعل وحتماً مثل تلك الجراحات العميقة التي أقدمت عليها الحكومة في جسد الاقتصاد السوداني والتي تقع آثارها المباشرة على المواطن الذي هو في الأصل ظل يعاني طوال سنين خلت على عشم أن يتذوق طعماً لهذا الصبر الجميل والذي طال بزوغ فجره.. مثل تلك الجراحات حتماً ستخلف آلاماً مؤلمة تفرز أوجاعاً وأنات تمثلت في تلك الاحتجاجات التي أعلنت رفضها لتلك الإجراءات وهو حق مكفول للمواطن في أن يحتج ويندد ويظاهر ولكن ليس بالشكل الذي يكون خصماً على مواطن آخر أو ممتلكاته أو ممتلكات الوطن عامة والتي هي في الأساس ملك لهذا المتظاهر الذي يحدث فيها تلفاً وتدميراً وتخريباً. فما شهدته الأيام الفائتة من أحداث صاحبت تلك القرارات أحدثت شرخاً كبيراً نفسياً وجسدياً عند الكثيرين.. فتلك مشاهد التخريب والحرق والنهب وتعطيل مصالح الآخرين التي تضرر من جرائها الكثيرون دون جرم ارتكبوه وهم أنفسهم كغيرهم متأثرون بتلك القرارات.. ورغم اتفاق الكثيرين على التنديد والاستنكار لتلك القرارات التي تلقي أثقالاً على أثقالهم إلا أنهم لم يتفقوا مع الأساليب التي واجهت تلك القرارات.. فالغالبية استنكرت تلك الأساليب التي اتبعت من المتظاهرين في وجه تلك القرارات التي خرجت عن إطارها السلمي وبالتالي أضاعت قضيتها.. فالكثيرون الذين لا ينظرون إلا لمصالحهم الضيقة جعلوا يصطادون في تلك الأجواء العكرة ويستغلونها في النهب والسرقة.. فكان نتاج ذلك تضرر كثير من المواطنين الأبرياء ودمار كثير من المنشآت والخدمات التي هي في الأصل نهضت لخدمة هؤلاء المواطنين. إن الدعوة لتصحيح مسار التعبير عن الرأي لا يعني تأييد الحكومة فيما أقدمت عليه من قرارات رغم مبرراتها الكثيرة عن دواعي تلك القرارات والتي لم تراعِ ظروف كثير من المكتوين بجمر الوضع الاقتصادي وهم يلوكون الصبر على هدى بزوغ أمل والذين تفاءلوا خيراً والحكومة تبشرهم قبل أمد قريب بأنهم على أعتاب الانفراج بعد أن عادت مياه العلاقات مع الجنوب إلى مجاريها وانسياب البترول عبر الأنابيب وفتح طرق التجارة بجانب الانفراجات الأخرى في زيادة حصيلة إنتاج الذهب والمعادن والذي دخل في شرايين الخزانة وغيرها من إجراءات كان يمكن اللجوء إليها دون هذا «الكي» الذي اتبتعه الدولة ولكن كل هذا لا يمنح المتظاهرين حق التخريب بمنشآت ومصالح المواطنين.. إن الدولة في سبيل إقدامها على تنفيذ تلك القرارات غابت عنها كثير من الحقائق أولها هذا الرفض الذي ستواجه به.. وثانيها عدم تهيئة الأجواء لإعلان تلك القرارات فكان يمكن للدولة أن تقيم الندوات واللقاءات المباشرة مع المواطنين في الساحات بغرض عرض القضية وتوضيح الدواعي التي فرضت على الدولة اللجوء لتلك الإجراءات الاقتصادية والاستماع إليهم ووجهة نظر المواطن كلها عوامل كان يمكن أن تخفف من آثار تلك القرارات على الأقل كان يمكن للمواطن أن يدعمها ويقتنع بنتائجها كما لا أدري لِمَ العجلة في تنفيذ تلك الإجراءات حتى قبل أن تمنح المواطنين المقابل المادي الذي قررته الدولة.. وأما كان للدولة أن ترجيء تلك القرارات مع إنفاذ الميزانية الجديدة بحيث تطبق مع بداية العام القادم وتكون الحكومة وقتها قد شرحت للمواطن الملابسات وهيأته لتلك الخطوة.. ويكون وقتها المواطن قد استلم الزيادات في الأجور حتى يتمكن من مواجهة تلك المستجدات في الأسعار.. وحتى إذا عزمت الدولة على التنفيذ الفوري للقرارات وهي تدري أن فعلها هذا سيجابه بردة فعل.. أما كان لها أن تتحسب لذلك أمنياً وأن تتوقع كافة الاحتمالات وما أحداث قرنق ببعيدة!! إن تلك الإجراءات صاحبتها كثير من الإخفاقات التي أدت لتلك النتائج الكارثية والتي ستكلف الدولة أعباء على أعبائها وتسبب الاحتقان لدى هذا المواطن الذي ظل نصيراً للدولة في كافة منعرجاتها.. فهل تردم هوة الثقة التي أحدثتها تلك الإجراءات بين المواطن والدولة!؟