بالأمس خرجت علينا صحف الخرطوم، أو بصورة أدق بعض صحف الخرطوم بأخبار عن إصابات محددة الضحايا نتيجة محادثات هاتفية تم استقبالها من أرقام محددة ومنشورة، وقبلها بيوم نشرنا خبراً عن واقعة بعينها أصيب فيها مواطن بإحدى الولايات الجنوبية وتم نقله إلى مستشفى كوستي، وعززنا النشر بالآراء حول الحدث والواقعة، رغم أن بعض الآراء كان يرفض الأمر جملة وتفصيلاً وينسبه إلى أن المريض الذي يعاني من نزف في أذنيه يعاني من حالة هستيرية.. وذكرت إحدى الصحف المحترمة أمس أن مواطناً أصيب بالشلل نتيجة لتلقي محادثة مشابهة.. وربما تتوالى ردود الأفعال بنشر الحالات المشابهة في الداخل والخارج مثلما حدث قبل يومين في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية التي نشرت تقريراً مطولاً تحت عنوان (مكالمات الموت تصل مقديشو)، ونشرته أو نقلته عنها بعض الصحف السودانية كاملاً.. أو بتصرف مثلما فعلت «آخر لحظة» أمس. أما بعض الآراء الاستباقية فإنما تدل على تعجل مطلقيها، وإن كانوا من الزملاء الذين نكن لهم احتراماً ولما يكتبون وإن كانت لنا قناعة راسخة نرددها دائماً حول الأداء الصحفي والمهنية، وهي انه ليس بالضرورة أن يكون كل ما يكتبه الصحفي الجيد جيداً، ولكن بالضرورة أن يكون كل ما يكتبه الصحفي الرديء رديئاً. عتب علينا صديقنا المهندس، الأستاذ عثمان ميرغني في زاويته اليومية قبل يومين نشرنا لما يتردد عن الهواتف، وأشار إلى أن في النشر ما يهدد الأمن القومي، وهذه لم نفهمها جيداً - فكل قدر عقلو- إذ كيف يتم تهديد الأمن القومي الوطني بنشر ما يفيد بأن هناك شبكة اتصالات أجنبية - يوغندية تحديداً- تلقى عدد من مستخدميها في الجنوب إصابات متفاوتة نتيجة استقبالهم لمحادثات تبدأ بأرقام نشرناها في وقتها، وذكرنا في ذات هذا المكان في اليوم التالي كيف أننا تلقينا النبأ أواخر شهر رمضان المعظم الماضي، من شخص محدد (علم) وأشرنا إلى أننا تحرينا وتقصينا حول ما تردد ونشرنا الحصيلة، ولم نتهم شبكة محلية أو مصدقاً لها بالعمل في السودان من قبل الهيئة القومية للاتصالات، لأننا نعلم أنها تعمل وفق معايير وضوابط ملزمة.. وكنا نرى أننا نعمل على الحفاظ على الأمن القومي السوداني بالإشارة إلى الانتهاكات التي قد تحدث من شبكات خارج السيطرة. كثيرون اتصلوا علينا بضرورة الرد الحاد والحاسم والعنيف على ما نشر في بعض الصحف، والبعض أرجع الأمر إلى الغيرة المهنية التي جعلت من «آخر لحظة» -بفضل الله تعالى- الصحيفة التي يحذو الآخرون حذوها وتجعل من بعض الصحف والصحفيين متابعين لما تنشر. وتساءل أكثر من قارئ حصيف معنا، أيهما أكثر ضرراً بالأمن القومي الوطني، نشرنا ما ننبه به إلى أخطار وأضرار تستهدف مواطنينا في الجنوب والشمال.. أم نشر أخبار أو معلومات تصبح حديث المدينة والبوادي، بمشاركة قوات سودانية ومعززة بعربات الدفع الرباعي شاركت في محاولة غزو دولة جارة شقيقة. لقد أفضى ذلك النشر المضر وغير المسؤول إلى إلحاق الأذى بوطننا ثلاث مرات، الأولى أنه قاد إلى أذى مادي بالتحرشات على حدودنا مع الجارة الشقيقة تشاد، تحرشات تقود إلى الحرب، ونحن نعلم ويلات الحروب.. أما الثانية فهو أذى مادي بليغ نتج عن تضمين ما نشر حول ذلك الموضوع في تقارير بعض الحركات المسلحة التي أقنعت القيادة السياسية في تشاد الشقيقة بدعمها لتنفيذ محاولة غزو أم درمان في مايو 2008.. أما المرة الثالثة فقد كانت بإلحاق الأذى المعنوي ببلادنا في المحافل الدولية وتشويه سمعتها وحرصها على إيذاء جيرانها. وهناك أذى بليغ آخر عانت منه الصحافة السودانية نتيجة ذلك النشر المضر، تمثل في إعادة الرقابة القبلية المفروضة من جهاز الأمن والمخابرات على الصحافة السودانية التي كُبِّلت وقُيدت زماناً طويلاً. نستغفر الله للجميع ونقول إن قاعدة العمل الصحفي الذهبية هي النشر لا الحظر، خاصة في الذي ينفع.. ولا يضر.