في بلادنا بلد المليون ميل مربع، يشكل القطاع السكني أغلى مقتنيات الإنسان الذي يسكن الريف أو الحضر.. وتزداد أهمية الأرض كلما أقتربنا من المدن سواء في متون المدينة أو في هوامشها.. قد يملك الإنسان أرضاً بالمجان أحياناً، ولكن في معظم الأحيان يفقدها بسرعة عندما تدخل حيازته المجانية في إطار التخطيط العمراني.. واذكر أننا عندما كنا طلاباً في المرحلة الجامعية بأم درمان الإسلامية، نرى الكثيرين من زملائنا يوفرون من الإعانة التي كانت تمنح لهم، وهي لا تبلغ الجنيهات العشرة ليشتروا بها أراض حازها بعض المتاجرين في الأرض، ثم بعد ذلك صارت ملكاً لهم بطريقة شرعية.. لن نندم على ما فاتنا من غنيمة سهلة في وقتها.. وحاولنا شراء حيازات عشوائية بانتظار التخطيط في ذات أمبده مربع 17 بالقرب من سوق ليبيا، ولكننا انشغلنا بالعمل وفاتنا قطار التخطيط وضاعت علينا حيازاتنا لعدم المتابعة، والتردد على مكاتب التخطيط، والانتظار بالساعات والأيام والأسابيع، بل والشهور والسنوات.. أو نشعر بوخز الضمير كلما مررت بهذا المربع الذي تم تخطيطه، وتمليكه للحريصين، الذين قبضوا على الجمر وتوكلوا على الله، ووضعوا كل آمالهم وأحلامهم في بيت بمساحة خمسمائة متر مربع، يضمه مع أسرته في أم درمانالجديدة، أو امبدة- كما يحلو للبعض أن يسميها، كما خططنا في الدورة السابقة للاتحاد بأن نملك صغار الصحفيين وضعافهم مساكن اقتصادية، كنا نعلم تماماً أن الصحفي ليس ملك نفسه، ولا يفكر بأنانية في بناء نفسه وأسرته، بقدر ما يهتم بالمهنة، يبذل لأجلها ويعاني بسببها ويواجه المصاعب في خضم الأحداث والأخبار التي تأخذه بعيداً، ليس من اهتماماته الأخرى وممارسة هواياته واجتماعياته، وإنما تأخذه لذلك من أسرته وأهل بيته وابنائه.. ولن يصدقني أحد أنني لم اتمتع بإجازة سنوية، منذ أن تزوجت عام 1972وحتى عام 1989 السادس عشر من يونيو 1989، وقبل أن اقضي اسبوعين من إجازتي جاءت الإنقاذ، وأوقفت الأسبوع مع بقية الصحف، فعدت لكي أكلف بإصدار صحيفة الإنقاذ الوطني.. أردت من ذكر هذه المقدمة لكي أؤكد أننا سعينا لخدمة زملائنا الصحفيين بهذه المساكن الإقتصادية، وحاججنا المسئولين عن صندوق الإسكان ووزير التخطيط العمراني في السعر، ثم مقدم الدفع والأقساط، حتى وصلنا إلى المعادلة الماثلة أمامنا، وهي منزل مسور به غرفة ومطبخ.. وهذا هو الحد الأدنى بمساحة أربعمائة متر مربع.. بينما السكن الاقتصادي الذي يملك للمواطن العادل بعد استيفائه لكل الشروط التي تثبت أحقيته من درجات وأولوية تقديم أكثر من خمسة وخمسين مليون جنيه.. فمنها من ينتظر الشهور والسنين، إلى أن يأتي دوره في الاستحقاق، ويدخل القرعة المحددة في أيام معينة، وفي مباني الصندوق.. انظروا كم كان أهل الصندوق كرماء مع الصحفيين في تحقيق سكنهم، حيث تحملوا الكثير من التصرفات من البعض، إضافة للكثير من التجريحات في خضم خوضهم معارك سياسية مع اتحادهم.. ولا أملك إلا أن أدعو لهم وأسأل الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء.. بينما يتردد علينا العديد من الزملاء، الذين فاتهم قطار الإسكان في الدور الأول، وسجل أكثر من ألفي صحفي اسماءهم في دفاتر الانتظار، تسلمت بالأمس قوائم تضم أسماء صحفيين منحوا منازل في الوادي الأخضر، والحارة مائة، لم يسددوا ما عليهم من أقساط شهرية، تراكمت عليهم وتراوحت ما بين المليون والعشرة ملايين جنيه، ويبلغ عدد هؤلاء جميعاً نحو سبعمائة وست عشرة اسماً عليهم متأخرات.. وجاءني خطاب من السيد صلاح الدين اسماعيل مدير إدارة التحصيل بأن أمام هؤلاء الزملاء فترة أسبوع واحد لكي يقابلوا جهات الاختصاص بالصندوق وسداد هذه المبالغ، التي تشكل في مجملها نحو ملياري جنيه سوداني.. هي مال عام وواجب السداد.. وعلى الإخوة والزملاء الذين تملكوا هذه المساكن أن يسارعوا خلال الفترة المذكورة حتى لا يفقدوا حقهم في هذا الكسب غير المسبوق الذي تحقق لهم، خاصة أولئك الذين ظلوا ينهشون في جسد الاتحاد بسبب ودون سبب، وقبل أن نقوم بنشر أسماء الذين لم يسددوا ما عليهم من متأخرات أقساط، فهناك من الزملاء من هو في أمس الحاجة إلى مثل هذا السكن وعلى استعداد للوفاء بكل التزاماته.. بعض الزملاء استفاد من السكن هذا باستخدامه، وتطبيع حياته مع السكن الجديد، وأراح جيبه من عناء الإيجار الشهري، والبعض قام ببيع المنزل الذي لم يمتلكه بعد، لمن لا يستحقه من عامة الناس.. وحلحل بعض مشكلاته التي كانت تواجهه، والبعض الآخر هم هؤلاء الذين تناسوا أن هذه المساكن في الأساس حكومية، وأن عليهم سداد الأقساط شهرياً أو بالجملة، حتى يحق لهم الحصول على شهادة البحث، ثم بعد ذلك يتصرفون فيها، وليس الآن، ولو أن هؤلاء قد طالعوا العقودات التي بطرفهم وقرأوا الشروط لما تباطأوا في سداد الأقساط.. وبعد كل هذا على هؤلاء الذين لم يسددوا التزاماتهم من الأقساط مطالعة اسمائهم في لوحة الإعلانات بالاتحاد، ثم الذهاب إلى صندوق الإسكان لمعالجة أوضاعهم.. وإلا فإنهم سوف يفقدون هذه المكاسب التي عانينا لأجل تحقيقها أيما معاناة.. ولن ينفع الندم بعد ذلك..