ظللنا على الدوام في «آخر لحظة» ومنذ صدورها في نسختها الثالثة نعمل على الانحياز لقارئها الكريم، الذي قلدها أوسمة الشرف والانتشار الواسع، فأصبحت ولمدة خمس سنوات متوالية الصحيفة الأوسع انتشاراً، ونافسها بعد ذلك عدد من الصحف الأخرى، لكنها ظلت على الدوام بفضل من الله ثم بحرص من قارئها الكريم، من صحف المقدمة، وظلت دائماً الصحيفة الأقوى تأثيراً على الرأي العام، والأكثر أثراً على متخذي القرار، لموضوعيتها وإحساس القائمين بأمرها بمسؤولياتهم تجاه وطنهم ومواطنيهم. وعندما ظهرت في الأفق قبل اليوم ملامح الأزمات التي تواجه صناعة الصحافة في السودان، لم ننجرْ إلى ما يحقق الأرباح الطائلة، بالاتجاه لتحديد أسعار عالية للنسخة الواحدة قبل أن تتفاقم أوضاع صناعة الصحافة وتصل إلى ما وصلت إليه الآن، ورأينا ألا يزيد السعر أكثر من جنيه ونصف، وهو ما ذهب إليه بقية الزملاء من الناشرين في الصحف الأخرى. استجدت الآن ظروف أخرى اضطرت الناشرين إلى أن يعقدوا سلسلة من الاجتماعات المتصلة، بعد أن انخفض سعر الجنيه السوداني، وبدأ تطبيق السياسات الاقتصادية الجديدة، التي انعكس تطبيقها سلباً على صناعة الصحف، في ارتفاع أسعار الورق، خاصة بعد أن قفز الدولار الجمركي مما كان عليه متخطياً حاجز الخمسة جنيهات، وبعد أن ارتفعت المحروقات أضعاف ما كانت عليه، لينعكس ذلك على أسعار النقل والترحيل بالنسبة لمدخلات الطباعة من الميناء إلى المطابع، ومن المطابع إلى مراكز التوزيع بعد أن تتم طباعة الصحيفة.. وغير ذلك مما يعلمه الكافة. اتفق الناشرون على أن السعر المجزي للنسخة الواحدة هو مبلغ جنيهان ونصف الجنيه، بعد الزيادات التي طرأت على تكلفة الطباعة، ورأوا أن تقوم الصحف بنشر إعلان حول ذلك الاتفاق بحيث يتم تطبيقه اعتباراً من اليوم الأحد.. ولكن.. كعادة الناشرين دائماً لم يتم تنفيذ الاتفاق بما هو مأمول، وكان منطقنا في ذلك ونحن من الذين نشروا الإعلان المشار إليه، أن تكلفة طباعة النسخة الواحدة هي «125» قرشاً عندما تتم طباعة خمسة وعشرين ألف نسخة فما فوق، تضاف إليها نسبة «20%» وهي التي تحصل عليها دور التوزيع، غير نسبة أخرى مماثلة هي قيمة مصروفات التشغيل اليومي محسوب عليها خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي ورواتب العاملين وحوافز المتعاونين وغيرها، لتصبح تكلفة النسخة الواحدة بهذه المعطيات حوالي «205» قرشاً أو جنيهين وخمسة قروش، في حال بيع النسخة بالجنيهين فقط، لذلك رأى الذين اجتمعوا أن يرتفع السعر إلى جنيهين ونصف الجنيه، خاصة وأن هناك نسبة مرتجع تقل أو تكثر لكل صحيفة. لم يتفق الناشرون عند التنفيذ، وإن لم يعلن منهم ذلك أحد، ورأينا في «آخر لحظة» ألاّ نتجه نحو تلك الزيادة الكبيرة، بعد أن تراجع الآخرون عنها، ورأينا أن نتحمل خسارة خمسة قروش في كل نسخة، وأن نعمل على تعويض الخسائر من قيمة الإعلان رغم المشاكل التي تواجه التسويق والإعلان والمتمثلة في التحصيل وارتفاع نسبة العمولات وعدم السداد في كثير من الأحيان.. ما زالت قائمة وستظل. اتفقنا في «آخر لحظة» على ألا نزيد سعر الصحيفة أكثر من جنيهين فقط، لموقفنا الثابت وضرورة أن نؤدي رسالتنا كاملة، وأن نتحمل بعض المصاعب في سبيل إرضاء القاريء الكريم، والوقوف إلى جانيه، لأنه ظل مسانداً لنا على الدوام وينحاز لصحيفته التي جعل منها إحدى أقوى وأبرز الصحف السودانية، وأوسعها انتشاراً. وما التوفيق إلا من عند الله