ما زلنا بصدد النظام الانتخابي لتكوين الهيئة التشريعية سواء على المستوى الاتحادي أو الولائي، والمادة المفصلية في هذا الشأن هي المادة (9 ح) التي حددت حصص التمثيل الجغرافي والنسبي وطريقة تكوين مجلس الولايات. ü اهتمامنا مصوب في هذه المادة أولاً على الفرقتين (ب) و(ج) من البند (ح) المتعلقتين بالقائمة النسوية، والحزبية على التوالي، إذ نصت الفقرة (ب) على (خمسة وعشرين بالمائة نساء يتم انتخابهن على أساس التمثيل النسبي، على مستوى الولاية عبر قوائم حزبية منفصلة ومغلقة)، كلمة (منفصلة) مقصود بها أن تكون القائمة للنساء فقط، أما (مغلقة) فمعناها أن يكون التصويت للقائمة مجتمعة، وليست مجزأة، بحيث لا يجوز للناخب أن ينّوع في اختياراته بين ألوان الطيف السياسي، إذ عليه أن يصوت لكل قائمة الحزب المعني، وكأنه في الحقيقة لا يصوت للمرشحات وإنما لبرنامج أو أفكار الحزب، هذا الخيار لم يتم تفضيله لأنه الأفضل وإنّما لأنه الممكن، ذلك لأن نظام القائمة المفتوحة التي تجيز للناخب أن يعد قائمة خاصة به من كل القوائم الحزبية أو بعضها، يتطلب مفرقة بالقراءة والكتابة، حتى يكتب الناخب الأسماء، كما أنه يحتاج إلى تدريب أكبر للناخبين لأنه أكثر تعقيداً من نظام القائمة المغلقة التي يكتفي الناخب فيها بالتأشير على رمز الحزب فيكون بالتالي قد صوت لكل قائمة ذلك الحزب، وبداهة أن عنصر المزايا الشخصية والمؤهلات الذاتية للمرشحات في القائمة المغلقة يتوارى تماماً إزاء الالتزام بالتصويت للبرنامج أو للحزب، ولقد أثير تساؤل ذو علاقة بهذه الجزئية، عندما رفض بعض الولاة من أعضاء المؤتمر الوطني الاستقالة أو النقل بناء على تعليمات الحزب، وكانت حجتهم أنهم منتخبون من الجماهير وليسوا مُعينين من رئاسة الحزب، وكان الرد غير المعلن، أن ذلك صحيح من الناحية النظرية فقط أما عملياً فما كان يمكن لأي والٍ أو حتى مرشح لمقعد برلماني، أن يفوز لولا دعم الحزب الحاكم وتزكيته، وذكرني هذا الجدل بمنطق مشابه في ظروف تاريخية أكثر قتامة، عندما استدرج الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور القائد العسكري الشهير أبا مسلم الخراساني إلى بغداد ليقتله، وعندما مثل أبو مسلم أمام أبي جعفر وجه له الخليفة اتهامات خطيرة، أحس منها أبو مسلم أن الخليفة قاتله لا محالة، فقال مستعطفاً الخليفة ومدافعاً عن نفسه، ومذكراً بإنجازاته العسكرية وخدماته الحربية في إقامة الدولة العباسية (تذكر يا مولاي صبري وبلائي في خدمة بني العباس) فانتهره الخليفة الغاضب بعبارة أضحت مثلاً «يا ابن الفاجرة والله لو أرسلنا مكانك هرة لأخافت الدنيا باسمنا»، ولا أريد أن أشبه منسوبي الحزب بالهرر، لكن المقارنة القائمة بين المشهدين أن تأثير الكفاءة الشخصية يتضاءل في نظام القوائم المغلقة، وأرى أن نبتكر وسيلة لتعديل هذا النظام لنظام القوائم المفتوحة حتى يتحرر الناخبون من هيمنة اللون السياسي الواحد، ويستطيع ناخبون كالمستقلين مثلاً الذين لا ينتمون إلى أي حزب أن يفاضلوا بين المرشحين، فيختارون وفق القدرات والمؤهلات الفردية للمرشح، تماماً مثل ما كان يحدث في انتخابات جامعة الخرطوم في الماضي. ü النقطة الثانية التي تستحق التعليق هي وصف القائمتين النسائية وقائمة التمثيل النسبي، بالحزبية، أي أنه لا مكان للمستقلين إطلاقاً، وهذا هو ما حدث بالضبط، إذ لم يستطع المستقلون خوض هذا الانتخابات، لأن المنافسة كانت قاصرة على مرشحي الأحزاب وفق القانون. ü هذه قسمة ضيزى ومنطق معوج، لماذا يحرم غير المنتمين للأحزاب من خوض غمار انتخابات القوائم النسائية والتمثيل النسبي وهي تمثل نسبة كبيرة تقل قليلاً عن نصف جملة المقاعد (40%). وبكلمات أخرى لماذا يعاقب شخص مؤهل وراغب في خدمة وطنه ولديه فرصة كبيرة في الفوز من المنافسة، لمجرد أنه لا ينتسب لحزب؟ وعندما طرحنا هذا التساؤل كان التبرير ذا شقين، الأول أن القانون وصف القائمتين بالحزبية، وهذا تبرير يقف عند الشكل والظاهر ولا ينفد للجوهر، لأن القانون ليس قرآناً منزلاً ويمكن تعديله، إذا لم يكن عادلاً أو منصفاً، والشق الثاني هو الجانب العملي الذي يتعلق بالتصويت عن طريق الرمز الحزبي، وسهولة الاقتراع والفرز والعد، إلى غير ذلك من الجوانب العملية كما أثيرت أيضاً المسألة المتعلقة باستحالة وعدم موضوعية التصويت لقائمة من المرشحين المستقلين الذين لا يجمعهم برنامج واحد، ولا يربطهم نسق فكري موحد ومرة أخرى نسدعي تجربة المستقلين في جامعة الخرطوم وكيف أنها في نظر الكثيرين كانت ناجحة، لأن الاستقلال هنا نسبي، فهو لا يعني غياب الفكر والسطحية، بل قد يعني رفضاً للمطروح من برنامج وكيانات بل هو أقرب في السياسة الخارجية للحياد الإيجابي بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة والذي كان قائماً على بدائل وخيارات ولم يكن مقتصراً على الرفض السلبي. نواصل بمشيئة الله الأسبوع القادم