الطريق إلى بارا عندما قررت (آخر لحظة) ممثلة في شخصي القيام بزيارة هي الأولى في حياتي لمدينة بارا، سارع رئيس مريخ الأبيض السابق صديق هاشم بالتنازل عن عربته الفارهة وسائقها صاحب المروءة والشهامة عوض مصطفي الذي بدأ المشوار بالنسبة له روتيني للارتباط التاريخي لصديق ببارا، والتردد على أهله أولاً ومزرعته هناك، الطريق لبارا مسفلت وجديد والشارع مغري، ليقول لي السائق إن الوصول لبارا من وإلى الأبيض كان يحتاج لساعات طويلة، وكان وعراً ولم يكن في الحلم أو البال أن يكون على هذا النحو والحال.. المناظر الخلابة الخضراء تحاصر الشارع وأشجار المرخ والعشر والسيال هزمت الصحراء وجعلت الخضرة منتشرة في كل مكان، وتمر وأنت في طريقك لبارا بزراعة السمسم ومزارع الدواجن وحوض بارا الجوفي، وبقوافل الإبل أيضاً . بيان سيدي الحسن داخل بارا أول ما يلفت انتباهك أشجارها الغليظة بظلالها الكثيفة حيث تكاد شجرة وأحدة تغطي عدة أمتار ويرجع أصل هذا الشجر منذ عهد الانجليز، وهناك العديد من الآثار تحكي عن أحداث تاريخية ظلت محفورة في ذاكرة أهلها كالنقش على الحجر، ورأيت قبل التوجه لمقابلة المعتمد زيارة بيان ومسجد سيدي الحسن الذي كان قد ولد في هذه المدينة، والمدينة عموماً تشبه كسلا إلى حد كبير، والقاسم المشترك الأعظم بين المدينتين السواقي التي تغمر أهلها وأهل الأبيض بالخير والخضر.. وفي مزرعة صديقي صديق هاشم حاول ابن عمه حسن عبد الباقي أن يحتفي بي بليمون ساخن ولكن بصعوبة عثر على ما يكفي عزومته فسارعت قائلاً معقولة يا حسن (في بارا قام اتعزز الليمون)، مع محبتنا لشاعر الأغنية أزهري عبد الرحمن ومغنيها محمد سلام لقاء المعتمد وعندما حان موعد اللقاء مع المعتمد التوم الفاضل بعد الثالثة ظهراً كنت قد طفت على العديد من أحياء بارا وسواقيها وفي مكتبه استقبلني الرجل بحرارة لسابق معرفتي به عندما كان معتمداً لمحلية كوستي، وتنتقل بعدها في عدد من محليات شمال كردفان وهو الرجل الذي يفيض شرفاً للمنصب وقيمة لمقعد المسؤولية ويركز على تحقيق آمال وطموحات مواطنيه. الأمل معقود بشدة على الطريق.. وكان لابد أن اتناول مع معتمد المحلية بعض هموم ومشاكل المحلية وسألته عن طريق الخرطوم بارا المزمع تشييده وجدواه الاقتصادية وكان يقول إن الأمل معقود بشدة على انجاز هذا الطريق، الذي ستكون له تأثيرات إيجابية ومكاسب جمة ليست على بارا وحدها بل على كل ولايات الغرب، وستكون له تأثيراته في كافة مناحي الحياة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، والطريق سيقلل الكثير من الجهد وتكاليف الشحن ويسهم في نقل الصادرات من غرب البلاد، ومع الطريق الجديد ستنخفض المساحة إلى خمسين بالمائة، وسوف تنتعش المناطق التي يعبر بها ويفتح آفاقاً حقيقية للاستثمار ومجمل القول إن طريق بارا كله مكاسب. نعمة المياه قلت للمعتمد وقفت بالدهشة والانبهار على الميزة الرائعة لبارا لكونها تتمتع بمياه صافية وبكميات تحسدكم عليها مدن أخرى وكبرى بالبلاد.. فرد هذه نعمة من الله لأن بارا ترقد على حوض يقدر حجم مياهه 08 مليار متر مكعب، وفي بارا 541 ساقية ومزرعة، وواضح كل الوضوح ارتباط الساقية هنا بمولانا حسن أبو جلابية الذي ولد في هذه المدينة، وله مسجد سمي بمقام سيدي الحسن، وبارا ترتبط بكسلا في أمرين أولهما حسن أبو جلابية ولد هنا، ودفن بكسلا.. ومن هنا ترتبط المدينتان بعلاقات ضاربة بحذورها في أعماق التاريخ وتتشابه المدينتان في السواقي التي يعتمد ريها بواسطة وابورات الديزل، ومستويات تبدأ من ألف قدم وخمسمائة قدم و052 ألف قدم، لتصل مرحلة الثمانية آلاف قدم وهذا اتاح لبارا أن تكون واحدة من أخصب المناطق في السودان ومؤهلة لانتاج زراعي وفير. كهربة السواقي من خلال جولتي قبل لقاء المعتمد أتيح لي أن أحمل عن المواطنين للمعتمد المشكلة التي تواجه أصحاب العديد من السواقي التي لم تصلها الكهرباء.. فالي متى تعاني؟ يرد المعتمد قائلاً: قمنا بتوصيل الكهرباء لثلاثين ساقية واستطيع أن أزف لهؤلاء المواطنين خبراً فارقاً ومفرحاً بأن كهربة السواقي سوف تتواصل، وأرجو ألا ينتاب أصحاب السواقي أي إحباط مقابل الجدية والاهتمام الذي يوليه والي الولاية لهذا الهم.. وحقيقة أن الكهرباء سأتي من منطقة سدر مسافة تسعة كيلو من بارا، والتفاعل مع هذا الملف يتم بالجدية التي يستحقها حتى نسهم في خفض تكاليف الإنتاج، خاصة أن بارا بجانب منطقة الخيران تمثل العمود الفقري في الإنتاج الزراعي. بشريات ومشروعات يقول المعتمد إن معظم الدهَّابة من شباب هذه المنطقة اكتشفنا أن معظم التحويلات المالية لمدينة بارا تتم عبرهم مما انعكس ذلك إيجابياً على حياة الناس والمباني الجديدة، وسوف يكون لتحويلات الدهَّابة تأثيرها الاقتصادي الإيجابي في المستقبل القريب والبعيد. شعرنا بالراحة والطمأنينة لأن منطقتنا بدأت تظهر فيها تربة السلفوت، وهي تربة غالية جداً تستعمل في صناعة الزجاج وصناعات أخرى، ولاحت بشائر الأمل في التصديق لبعض المستثمرين لقيام مصانع وقيام منطقة صناعية ببارا التي كانت تعاني الركود، والآن هناك حركة اقتصادية نشطة، وهناك محاولة جادة من الأخوة في بنك الإدخار لافتتاح فرع لهم في بارا، والمحلية تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل باهر وغدٍ واعد بإذن شاء الله.