انتهى المسلسل الهندي (ملكة جانسي) الذي كان يبث على قناة (زي ألوان) الهندية، وقد حظي بمتابعة عالمية بصورة لم يشهدها أي عمل فني من قبل، والغريب أن معظم الصبيان طبعوا على وجوههم العلامة الحمراء التي يضعها أبطال المسلسل الرائع، بينما حفظوا أسماء الأبطال المناضلين ضد المستعمر: الملكة لاكشمي باي، ملكة جانسي، البطل تاتياتوبي، راقونات، سمارسنق، راو، مروباند، الطفل دامودار والبطل المسلم الشهيد (كوز خان) وأبعد من ذلك قد كتب اسم ملكة جانسي على العربات والركشات، وتأثرت الموضة حيث انتشرت ثياب على شاكلة الألوان التي ترتديها ملكة جانسي ووجدت سوقاً رائجاً ورابحاً . المهم أن الجنود استطاعوا أن يستقرؤا الأجيال تاريخهم في قوالب فنية بطولية جاذبة لم تسبقهم عليها الشعوب، وبثوا في شعور أجيال العالم حب الشعب الهندي المناضل من خلال البطولات التي قدمتها الملكة لاكشمي باي ملكة مملكة جانسي الهندية. أهم من ذلك أنهم زرعوا في أعماق أجيالهم المتلاحقة أسوأ الانطباعات ضد المستعمر الإنجليزي، وأعتقد أنهم بهذا العمل المتطور قد ثأروا من البريطانيين وشوهوا تاريخهم الشاحب وعهدهم المظلم، ويعتبر أثر ذلك في الأذهان أعظم من أي أثر يتركه الاحتراب أو الكتّاب، وهذا المسلسل هو حرب العصر الحديث وبدون منافس. المدهش أن شعار المحاربين من الهندوس والمسلمين هو (المجد لله، والله أكبر) وهم قلة صمدوا ضد جيوش جرارة وسلاح ضاري فتاك بأسلحة بيضاء وسُهم محلية ولكن بفدائية وبطولة صوروها في مشاهد حيّة كانت عظيمة. وأهم من ذلك بينوا بوضوح أخلاق الإنجليز ودمغوها بالغدر والخيانة والجاسوسية والاختراق وسوء الأخلاق في الحرب والسلم واحتساء الخمور والفوضى والاعتداء على الأبرياء وهم كذلك! وفوق ذلك اتصف المحاربون الوطنيون بحسن الأخلاق وحسن معاملة الأسرى ومعاملة مواطني الهند غير الموالين بطريقة جذبت ولاءهم وزرعت فيهم حب الأرض وتفانوا واستشهدوا من أجلها، وقدموا أروع وأشجع المواقف لشعب يحترم قيادته ولا يتخاذل رغم الضنك والجوع والمعاناة والتعذيب المستمر. إذن انتهت ملكة جانسي لكن فرضت على الأمم طريقة جديدة لكتابة التاريخ، فما عادت الكتابة تلك هي الطريقة التقليدية التي تنطوي عليها المجلدات المدرجة بالمكتبات فحسب وتمر أجيال ربما لا تلتقي بها لتعدد تخصصات بعضهم في مجالات حرفية وصناعية وعلمية. السنة التي كتب بها الهنود تاريخهم وقدموه عبر الفضائيات (التي أعدت لغزو أفكار أجيالكم) هي التي ينبغي أخذها في الاعتبار من كل المبدعين، لأن الهنود ضربوا الغرب (بعصاته)، (كما يقول مثلنا العامي في البطانة الزول دا انضرب بعصاته). التحية للهنود وهم الذين قدموا أعظم الكُتّاب في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم صفي الرحمن المبارك فوري كاتب (الرحيق المختوم). شكراً من السودان لفناني الهند على ما قدموه من افتضاح لأولئك الأوغاد المستعمرين الذين استباحوا الأرض والعرض وبرعوا في إذلال الشعوب ونهب ثرواتهم ولا زالوا يصمموا برامجهم لتضليل الأفكار وتعميم الاستعمار. ألم يئن لمبدعي العالم الإسلامي أن يكتبوا تاريخهم بهذه الطريقة الجاذبة، الملائمة لأفكار هذا الجيل؟. هل يستغل هذا العمل أبناء السودان من المبدعين وما أكثرهم لكتابة مناضلات الممالك السودانية ضد المستعمر من لدن الاستعمار التركي إلى عهد الاستعمار الحديث وبطولات الميل (40) وإبراز هذه البطولات لتقديمها للأجيال الماثلة واللاحقة في قوالب ذهبية جاذبة وألواح زجاجية نقرأ من خلالها تاريخنا المخفي تحت ظلمات الأيام وأقلام المستعمر؟. أملي وأشواقي أن تسوح أجيالنا في إبداعاتنا بل نلفت نظر العالم إلى تاريخنا عبر الفضائيات وذلك بتوفير كل المعينات للمبدعين وما أكثرهم وما أكثر جهلنا لهم وعدم اهتمامنا بهم.