منذ أن كنا صغاراً كنا نسمع بأن فلان مخاوي جنية.. وكنا ننظر إليه بصفته من غرائب الناس.. خاصة عندما يكون المذكور متوحداً أو منعزلاً.. غير متزوج رغم كبر سنه.. وكعادتي في الفضول المبكر الذي اعتراني كنت متشوقاً لمعرفة تفاصيل وكيمياء مخاواة جنية.. وكان رجلاً يلقبونه ب (ضُقلُمه) من أولئك.. فأخذت أتودد إليه.. وإنتهزت الفرصة وأنا صبي.. عندما أرسلني لأحضار أشياء له من الدكان فسألته في براءة مباشرة: صحي إنت مخاوى جنية.. فضحك طويلاً وقال لي: ناس الحله دي فارغين.. مافي حاجه زي دي.. ده كلام خرافات.. إنت ولد ذكي لاتصدق كل مايقوله الناس.. ارتحت بعد ذلك إذ قر في ذهني إن تلك حكاية خرافية مثل حكايات البعاتي والغول وبت أم بعلو كبرت.. وعاودت نغمة مخاوي جنية تشغل بالي.. فتفكرت عرفت إن الجنية تكون بمثابة الزوجة للمواطن المعين.. فلماذا لايسمونه زواجاً ويسمونه مخاواه.. قلت ربما إن الأمور لاتسير على نسق الزواج عقد قران ومأذون ووثيقة زواج.. فكنت على يقين بإنه زواج غير شرعي .. أكثر من شخص يصفونه لي بمخاواة (جنية) حتى دمغوا بها أخبار أحد أصدقائي ولم يتزوج لأسباب أعرفها.. كما إن حياته طبيعية.. حياة عازب مهمل يعيش في فوضى مزعجة.. وكنت أعرف إن الجنيات يرحن من يخاونه بترتيب حاجياته في إتقان وبسرعة وذلك من خواص الجن قصر في ذهني أكثر بأن تلك خرافه.. لكن حكاية لاعب الهلال الاريتري الراحل (يوهانس) حيرتني وهى مشفوعه بشهادة مواربه من الدكتور محمد حسين كسلا.. الذي أقر بأنه ضد الدجل والشعوذة بل في مباراة أحضر له بعض المنتمين للفريق تعاويذ لمنحها للاعبين لينتصروا فأخفاها في الدولاب ولما انتصر الفريق وجاء أولئك يثمنون انتصارهم..وقال نحن لم نستخدمها.. لكن حكى قصة يوهانس وملخصها إن اللاعب الاريتري يوهانس انضم لفريق الهلال وأظهر مواهب ساحرة.. وذات مباراة في موسم 93 / 94 ضد فريق الخرطوم(3) الوطني الآن وبعد خمس دقائق من بداية اللعب عاد يوهانس إلى دكة البدلاء وهو مذعور ذعراً شديداً ولم يفلحوا في تهدئته وساءت حالته حتى بعثوا به إلى بلاده عسى أن يشفى هناك.. راج حينها إن المنافسين خاصة المريخ عملوا له عملاً.. أو مارسوا معه السحر إلى آخر تلك الادعاءات.. اتضح فيما بعد إنه يهاب اللونين الأصفر والأحمر وكانا في شارات الفريق الخصم انذاك ما يؤكد لنا إن دكتور كسلا بين مصدق ومكذب قرر عن يوهانس:(كانت أولى ملاحظاتي على أداء يوهانس إنه كان يسجل بعض الأهداف بطريقة غير عادية) وهو حسبما قال يفهم في صناعة الأهداف وتسجيلها نظرياً وعملياً..ولم يصرح (كسلا) بذلك لأنه توقع أن لايفهم كلامه وخشى أن يتهم بالمبالغة.. عموماً ساءت حالة يوهانس وزاره وفد ضمنه (كسلا) في بيته في اريتريا ووجده في حالٍ يرثى لها لايتحرك وتتولى شقيقته أمره وهى التي أشارت بأن مرضه مرض (فُقرا) ولايعالج إلا في السودان ولعلهم فعلوا ذلك إذ أعيتهم الحيله في معرفة أسباب علته.. حكى كسلا تفاصيل كثيرة عن الموضوع لكن ما يهمنا إشارة (كسلا) إلى أهداف يوهانس التي تبدو غرائبية ولاتتسق مع منطقية لعبة كرة القدم.. مقرونه بهذا الاعتراف الذي أدلى به يوهانس لكسلا . (عندما سألت يوهانس وهو على سرير المرض وكنا على أنفراد عن سر أهدافه الغريبة أجابني قائلاً: سأقول لك الحقيقة .. عندي (جنية) تساعدني.. أنا جاد فيما أقوله.. صدقني أنا لا أمزح أنا لا أراها ولكنى أحس بوجودها.. وقد لاحظت في كثير من الاحيان كنت أنوي التمرير إلى زميل ثم أجد الكرة تأخذ طريقها إلى مرمى الخصم بصراحة لست على وفاق مع جنيتي هذه الأيام إنها غاضبة ولا أعرف السبب)..