اتصل بي عبر الهاتف «الجوال» ابن اختي الزبير بكراوي.. وهو يُلملم باقي دمعات زارته قبل دقائق من الاتصال.. ü قال لي قد قرأت وأنا في الطريق جملة هزتني تماماً في إحدى عربات الأمجاد تقول «دمي ولا دمعة أمي» وضعت نفسي في معادلة من شقين.. ما هي الدموع.. وما هو الدم.. احسست أن من كتب هذه الجملة يحمل قدراً كبيراً من مواكبة الحدث والأحداث في مجتمعنا الذي يقدس الأمومة ويحترمها في مشاهد ومواقف متعددة.. بل أراد صاحب هذه العربة أن يقول هناك مستجدات جعلت الأمور تنقلب على عقبيها. وأصبحت الأم عُرضة للقسوة والامتهان.. أصبحت الأم لغير الأوفياء والصادقين مصدر قلق في بعض صور الحياة الاجتماعية وغيرها.. فهناك من يقهر والدته ويرهبها ويذلها فتكون خانعة باكراه ولا يعلم أن من وراء هذا الفعل حسرةوندم في الدنيا والآخرة.. وذهب ابن اختي أكثر حين قال لي كل الذي عرفتهم قاسين على والدَّيهم يعيشون أسوأ الظروف فقر وعوز.. قلق ومرض وابتلاءات في أنفسهم وأولادهم.. وهم في جهل تام بما هم فيه. ü قال لي هذا الابن المبَّر لامه.. وقد شاهدته في مواقف نحو والدته أدهشتني واسعدتني.. قال لي الجنة تحت أقدام الأمهات.. ولحظتها كان يقبل قدم أمه.. فقلت له تحت القدم فما كان الا وأن نفذ قُبلته تحت أقدامها تماماً أي في بطن القدم مصححاً الجملة حرفياً.. ü شيء رائع وقيم رفيعة وأخلاق لم تأت من وراء نفاق دنيوي فمثل هذا الابن وغيره هم رسالة للمجتمع الكبير فيها كثير من العظة والعبرة.. بل هم اضاءات ينبغي أن نعكسها في هذا المقال لتكون قلادة على أعناق الجميع.. وبالوالدين احساناً مرجعية نتوقف عندها كثيراً ونأخذ منها احقية الوالدين.. وأقولها بملأ الفم من بر والديه.. صنع لنفسه في الدنيا والآخرة نجاحاً.. قد يكون نجاحاً في الأبناء.. قد يكون نجاحاً في المال.. قد يكون نجاحاً في القبول وقد تكون مجتمعة.. ولكن الاحساس بالسعادة متفق على الجميع.. فالاستقرار النفسي والاطمئنان صفة ملازمة لمثل هؤلاء العارفين لحقوق الوالدين.. ü حكى لي رجل أن هناك نفر كريم يتمتع بخصوصيته متفردة في بر الوالدين.. قال دخل ذات مرة على والدته بعد صلاة العشاء على فراشها وهو يحمل لبناً دافئاً.. ويعلم أنها تشتكي قليلاً من المرض.. فوجدها نائمة تماماً.. تحسب حينها فقال لنفسه لو رجعت «ربما» تصحو من نومتها الهانئة فأصبح واقفاً حتى أذان الفجر.. فقالت له ما بالك واقفاً.. فقال اشتهيت أن أسرع إليك بلبن الفجر فقالت له اتخاف أن تكذب عليّ واشفق عليك.. لقد ازعجني من قال لي لقد طالت وقفت ابنك.. وانا ما بين حُلم ورؤية!! ü انهار الابن باكياً عفوكُ إن كذبت.. محدثاً نفسه ولا تقل لهم اُفٍ.. وقال لها فإن قلت لك أمي.. أمي.. وأنت في نوم عميق فقد أحُسب من اهل المعصية معاذ الله.. قالت له لك ربٌ يحميك فسقاها اللبن حتى تمالكت نفسها واصحبت في عافية وصحة.. وعندما روى هذا الابن لمدرس العلم القرآني ما حدث في تلك الليلة.. قال له لبَّرك فقد سبحت الملائكة على ذلك اللبن وعندما تناولته أمك كان لها شفاءً وحمداً.. فبكى ذلك الابن للمرة الثانية. ü الثوابت في حقوق الوالدين ينبغي أن تكون رسالة متوالية نضخها في كل مساحات الوعي الديني عبر مظلات الاعلام المقروء والمشاهد والمسموع نضعها في قوالب شتى ليتعلم جهلاء القوم الذين يمشون بيننا ولا يضعون حقوق الوالدين من ضمن أجندتهم اليومية عليهم اعادة وصياغة أمور دنياهم عبر منافذ رضاء الوالدين فإن شملتنا هذه العناية سنجد مجتمعاً خيراً وفاضلاً.. ومن ثم تكون للحياة معناها وحجمها وبعدها في الاستقرار نحو الأحسن. ü دمي ولا دمعة أمي رسالة لابد أن نجعلها عنواناً بارزاً في كل منعطف دنيوي وفي لحظات نتلمس فيها خطانا اينما حللنا.. لانها خصائص لها فلسفتها في الحياة.. فالذي يتعمق قيمة الوالدين يدرك جيداً سر الحياة فكل الموازين الانسانية المدرجة في الحياة تأتي من غذاءات العرفان للوالدين.. فكل من عرف حقهم استحق ان نقف على سيرته الذاتية لنأخذ منها عبق البَّر في مساحات الحياة الحديثة التي تأتي الينا بأفظع المعاملات للوالدين وكأنها رسالة تحذير بأن الوقت حاااااان!! ü أقول الف مرة من كان والديه في الحياة.. فليستمع لهذه القصة التي جرت أحداثها في سنوات قليلة مضت.. جاء رجلٌ ثري يتحسس أحد عماله الذين يعملون معه في حقله أو بستانه.. فوجده يخدم في والديه وهم أحياء ولكنهم مقعدين والعرق يتصبب منه وهو في ابتسامة مشرقة.. يأخذ بيد هذا وينال رضاء هذا... دخل عليه الرجل الثري قائلاً «يا ليتني أنا.. يا ليتني أنا» فاندهش العامل أبهذا القدر.. فرد عليه أكثر من ذلك.. فأنت بهذا قد ضمنت الجنة.. ولك مني مال أخصصه لخدمة والديك.. وذهبت القصة أكثر ساكتفي بهذا القدر.. ü حقاً دمي ولا دمعة أمي رسالة في سماء الحداثة والرتابة والاسقاط.. رجائي ان نعود جميعاً لعظمة الوالدين لمن هم أبعد من ذلك..!!!