ظللت طول حياتي أحتفي بطلاب وطالبات الآداب.. والقانون.. والعلوم السياسية.. وما برحت.. وما طفقت.. أبداً.. أضحك في سخرية مريرة.. من طلاب الطب.. وليس في الأمر.. «حسادة» ولا هي.. تصفية حسابات على «فشلي».. في دخول وارتياد كلية الطب.. ذاك الحلم الذي كان وما زال.. وأظنه سوف يظل يراود.. كل تلميذ ومن أول يوم يضع فيه أقدامه.. على بلاط سنة أولى أساس.. وحتى إذا لم تكن رغبته أو طموحه.. أو مزاجه.. أو أمنيته.. يكفي كثيراً.. أنه يظل يسمع ويستمع.. إلى تلك الاسطوانة التي لا تتوقف ولا تشيخ ولا «تنشرخ».. والوالد والوالدة.. يطرقان كما المطارق.. على أذنيه صباح مساء.. بأمنيتهم أن يصير ابنهم أو ابنتهم دكتوراً.. وإذا خرج إلى الشارع.. شارع الحياة العريض.. ستواجهه عاصفة من أغاني البنات للدكاترة.. التي تتصدرها أغنية «الدكاترة ولادة الهناء».. ولكم -أحبتي- أن تسألوا في دهشة أو في عجب.. أو حتى في غضب.. لماذا هذا العداء.. المحكم للدكاترة.. ولماذا ذاك الحب.. والاحتفاء.. برجال القانون.. وتحديداً المحامين.. وخريجي.. الآداب.. وأولئك.. المنحدرين من رحم كليات العلوم السياسية.. لأقول.. إن كل الخريجين من تلك الكليات النظرية.. يتلاحمون معنا.. ويلتحمون بقضايا الشعب.. هم.. فاكهة.. صوالين الأعراس.. ونجوم «خيم» العزاء.. يتحدثون في معرفة عن كرة القدم.. يفهمون جيداً في الغناء والطرب.. «يهزّون» في الفنانين.. يقاتلون في السياسة.. ولا بأس إن قذفت بهم في غرف الزنازين.. والحراسات.. وحتى المحاكم المهيبة الوقورة.. أما الأحبة الأطباء.. فإنهم.. دوماً وأبداً.. يلفهم «السكوت».. ويطويهم الصمت.. لا تكاد تسمع لهم صوتاً ولا حساً.. كان هذا رأيي في الأطباء.. لزمن وزمان ليس قصيراً حتى عهد قريب.. عندما.. بدأ بعض الأطباء.. يمزقون تلك الصورة القاتمة التي رسمتها لهم بل وحفرتها بأطراف أسنة وخناجر في آخر بوصة من عقلي وفي «أمهل» مساحة في تجاويف صدري.. بدأت «الاستيكة» التي مسحت جهلي وغبائي وبلادتي.. بتلك الأغنية الجميلة.. التي.. أبدع عثمان حسين في شدوها الجميل وموسيقاها المترفة.. وهو يردد في فرح.. بل في إبداع ومرح.. «أوعديني بكلمة منك».. وهي للعلم.. قد صاغها شعراً.. الدكتور «الزين عباس عمارة».. وبدأت «أفتح» بعد طول.. «عما».. ورويداً رويداً.. بدأت تلك الغمامة.. تنقشع من عيوني.. وتدفق مطر الأطباء.. وتواصل «الرذاذ».. منعشاً.. بديعاً.. ورويّاً.. وجاء الدكتور حسبو سليمان.. على قبره هاطل المزن.. ذاك الدكتور.. الذي يذهب إليه الناس بعد أن تضيق الدنيا الرحيبة.. أمامهم.. وبعد أن تصفعهم الأقدار والأحداث يذهب إليه من «جن» بعد فقد حب عاصف.. وهجر حبيب غادر.. أو عند هزيمة عاطفية زلزلت أركان عقله.. بل كادت أن تذهب بعقله.. يذهب إليه مثل هذا.. يلتمس العزاء من إنسان.. كامل الإنسانية.. ليعيد له بعض عقله.. ومن فرط إنسانيته يجد أن ذاك الدكتور.. قد وهب مكتبة الإذاعة.. أغنية شاهقة.. تحكي حال مريضه الذي أمامه.. تلك التي تغنى بها سيد خليفة.. «ما كنت قايل الجميل».. وتصوروا أن الدكتور حسبو.. قد كتب في إحدى مقاطعها.. «من غيرك إنت إيه الحياة.. إيه العمر».. وما زال الوابل من المطر ينتظر.. ويأتي الدكتور عوض دكام.. الذي لغنائه لروائع وبدائع الراحل خوجلي عثمان.. طعم.. وعسل.. وشهد مصفى.. ولا نكاد.. نفيق.. من الدهشة.. من إبداع الدكاترة.. حتى يطل في سماء الغناء والشعر.. والتطريب.. المبدع.. الدكتور.. علي الكوباني.. وسبحان مالك الملك.. والرجل.. لا «يكشف» على مريض.. إلا بعد أن تفارق الروح الجسد.. ومن قلب المشرحة.. يهبنا هذا الدكتور المبدع.. إكسير الحياة.. لنواصل الحياة.. ونحن في كامل الابتسام.. هؤلاء أم الراحل.. العالم.. المثقف.. البروف صالح يسن.. وهو يرفد المكتبة.. بكتاب مذكراته الذي.. نتمنى أن لا تنتهي صفحاته.. فالرجل يحملك.. بأجنحة فراشة ملونة.. إلى المجرات البعيدة.. ويعزف بالحروف الغنية المترفة الثرية الجزلة أبهى المؤلفات الموسيقية وكأنه خريج من مدرسة الإبداع.. والإمتاع.. ويطوف بذهني كل هذا.. وتتخلخل معتقداتي البائسة.. بل تهتز الصورة المهترئة التي كنت أرسمها وهماً وجهلاً للأطباء.. عندما التهمت بالأمس.. سفراً.. رهيباً.. صفحات من الإمتاع.. حد الإشباع.. كتبها الدكتور الجراح العالمي موسى عبد الله حامد.. تحت عنوان.. «أيام الجامعة».. وغداً موعدي معكم.. في رحلة الترف.. والجمال.