هل تستطيع الصحافة أن تدِّعي أنها قادت تغيير الوجوه في الحكومة؟ وهل تستطيع الصحافة أن تقود التغيير في مجال التداول السلمي للسلطة، كما تقود التغيير الاجتماعي من أجل مستقبل هذا البلد المنكوب؟ ولكن المؤتمر الوطني الحزب الحاكم يستطيع أن يقول إن الحرية النسبية الممنوحة للصحافة قد سدت نقصاً في الرقابة تعانيه المجالس التشريعية بمختلف مستوياتها. لقد حاكمت الصحافة الحكومة الى المشروع الحضاري النهضوي الذي طرحته وقررت الصحافة الوطنية على مختلف مشاربها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار أن الحكومة قد فارقت مشروعها (فراق الطريفي لى جملو) ورضيت الحكومة بهذا الحكم بالسكوت ولكن تغيير الوجوه هل يعيد الى المشروع ألقه وبريقه وحيويته؟ أم أن الضغوط الخارجية المتزايدة تجعل من الحكمة أن تسكت الحكومة عن المشروع وهل تعيين د. صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم وزيراً للدولة بالخارجية (طاقة) في جدار عدم الثقة المتبادل بين السودان ودول الغرب أم أنها (كوة) غير نافذة يوضع فيها (الفانوس) للاستهلاك المحلي؟ وصفوت فانوس لم يكن موالياً للإنقاذ مثل فيلوثاوس فرج مثلاً.. وإنما كان يكيل لها الاتهامات ويهاجمها في محاضراته وندواته. والصحافة حاكمت الإنقاذ تجاه أدائها إزاء حركات التمرد فحمدت لها جانباً وأيدتها فيه وذمت جانباً آخر وعارضتها فيه.. أما الجانب الذي حمدته الصحافة للإنقاذ إزاء حركات التمرد فهو رد الصاع صاعين لها في كل حالة اعتداء على المواطنين، وأما الجانب الذي ذمته الصحافة في الإنقاذ فهو مكافأة كل من عجز من المتمردين وألقى السلاح بحقيبة كبيرة أو صغيرة حسب فتحة فوهة بندقيته. وحاكمت الصحافة الإنقاذ إزاء ما قدمته للشعب السوداني، فشهدت لها بإحداث نهضة كبيرة في البنى التحتية، ولكن عابت عليها الاهتمام بالحجر دون البشر ورغم ذلك لم يرض عنها الغرب.. وحاكمت الصحافة الإنقاذ على تدابيرها بعد ذهاب البترول فكانت النتيجة أن ذهب مهندس التدابير مع الذاهبين طوعاً أو كرهاً، ولكن رجالاً مثل الأستاذ علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع، والدكتور الحاج آدم يوسف، والأستاذ علي محمود عبد الرسول، ومولانا أحمد ابراهيم الطاهر، ما ينبغي أن تذهب خبراتهم سدى، بل ينبغي أن يقوى بهم الحزب في مفاصل اتخاذ القرار، حتى يكون رقيباً حقيقياً على الجهاز التنفيذي كما لا ينبغي أن يتنفذ في الحزب الوزراء العاملون في الحكومة الجديدة فتعود الدورة من جديد. وستتولى الصحافة قياس درجة الرضا عن هذا التغيير، وسيكون القياس استطلاعياً ولن يكون من باب الدراسة الميدانية العلمية، فماذا لو تعاقد الحزب مع بيوتات خبرة لقياس توجهات الرأي العام حول هذا التغيير، وحول ما يبتغيه الرأي العام من تغيير، خاصة وأن المعارضة ظلت غائبة عن الفعل السياسي الإيجابي حتى عجزت أن تصدر صحيفة يومية سياسية مستمرة لنقول إنها أسهمت في هذا التغيير، وعليه فليتولَّ الحزب الحاكم تبني مصالح هذا الشعب الذي ضاقت أمامه الخيارات السياسية وليتق الله فيه معاشاً وأمناً ومستقبل أجيال. ولا تعني قيادة الصحافة للتغيير أن كل عملها كان على ما يرام، فإن بعض الصحفيين، وبعض الكتاب، وبعض سياسات التحرير في بعض الصحف كانت تغالي تأييداً أو معارضة، وتجانب الموضوعية في طرحها ولكن رغم ذلك يعود الفضل في التغيير للصحافة.. والله تعالى أعلم.