نعم إنها وزارة فارهة.. شاهقة وخطيرة.. من يجلس على ذروة سنامها.. هو الرجل الثاني في الدولة.. متقدماً على كل الوزراء أصحاب السطوة والسلطة والخطر.. ولكنها أيضاً هي الوزارة التي تحمل كل صفات وسمات «عش الدبابير» الذي يسعده الله يخرج منها سليماً سلامة سبيبة أبو موسى الأشعري من العجين ومن أشقاه الله وشاء حظه العاثر أن تلسعه أشواكها.. وإبرها دون شهدها سوف يغادرها مغادرة هريرة ولكن دون دموع وبلا وداع إنها وزارة المالية والاقتصاد الوطني... وهاهو السيد علي محمود تحمله سواعد وزنود وكفوف إخوته من صناع القرار في النادي الكاثوليكي إلى أعلى كرسي فيها وزيراً لمال واقتصاد السودان وهي معادلة تعني أنه يمسك بتلابيب عيشة ومعيشة السودان.. كنت أخشى على الرجل من إغضاب الشعب أو إغضاب الأحبة في المؤتمر الوطني وبالمناسبة إن إرضاء أهل الإنقاذ وفي اللحظة ذاتها إرضاء الشعب هما خطان متوازيان لا يلتقيان إلا في كراسة بليد.. بالأمس فقط أطلق السيد الوزير تصريحاً مدوياً أشبه بالهتاف الراعد أو الهدير المجلجل وهو يقول في صرامة إن تحرير الأسعار لا يعني الفوضى.. وهنا نقول للسيد الوزير إن تحرير الأسعار هو عقيدة وسياسة... وخط سير معلوم ومعد ومدروس... خرجت قرارات من إخوتك في المؤتمر الوطني.. دون مفاجأة بل هو ما نعلمه الآن وكنا نعلمه منذ أيام «الأمس» عندما كان الأخوان المسلمون رقماً صغيراً مسكيناً يمشي في وجل «جنب الحيط»... إنه يناهض تماماً عقائد ومعتقدات الذين يجابهون ويواجهون الأخوان في معسكر اليسار والذين كانوا ومازالوا يرفعون رايات محفورة عليها سيطرة الدولة وهيمنتها على كافة وسائل الإنتاج.. وإحدى راياتهم التي كانت تصفق مع دفقات الريح... تحمل نبل النبوءات الإنسانية الجريئة.. ومن كل حسب طاقته وكل حسب حاجته.. نعم إن كل ما تقدم ترف ذهني.. وونسة تحت ظل شجرة ظليلة... بعد أن «الحصل حصل» وبعد أن اجتاحت خيول الإنقاذ كل تلك المضارب وسقطت البلاد بأسرها لقمة بين أياديهم.. جاءت الخصخصة.. وجاء تحرير الأسعار وانطلق مارد السوق الوحشي كما تنين الصين الأسطوري المخيف وانسحق السواد الأعظم من الطبقة الوسطى وداست أحذية الرأسماليين على صدور الفقراء واقتصاد السوق الحر يسحق الناس سحقاً واسترقهم استرقاقاً وامتهن كرامتهم امتهاناً..». هذا أمر واقع ..أمر السوق الحر.. والأسعار المطلوقة لا نملك له صداً ولا منعاً ولا دفعاً.. ولكن ضحكت بالأمس حتى استلقيت على قفاي وسيادة الوزير يقول في صرامة إن تحرير الأسعار لا يعني الفوضى.. ونحن نقول لك سيدي الوزير إنه يعني الفوضى.. بل هو الفوضى بعينها.. . ودعني «أخش» معك في رهان لن تكسبه أبداً.. لأقول لك إن كلماتك الجميلة المفعمة بالإنسانية هي.. أماني طوباوية وأحلام المدينة الفاضلة.. وأعمدة لجمهورية إفلاطونية.. ومثالية أشد إغراقاً من تلك «الهيجيلية.. لن تصمد أمام سياسة الدولة.. لن تصمد أمام جشع وسوء أخلاق التجار.. وبالمناسبة إن اقتصاد السوق الحر.. نجح في الدول الأوربية الرأسمالية لأن رجال أعمالها وتجارها يتمتعون بأخلاق شاسعة جميلة ورصينة أما هنا سيدي الوزير إن «فلاحة» و«شطارة» وثراء التاجر لا تكتمل وتضيء أنوارها إلا إذا كان انتهازياً شاطراً يعرف كيف «يخزن» وكيف «يهتبل» السوانح وكيف يرصد بحاسة لا تخيب سحب الندرة وارتفاع الأسعار حتى قبل أن تصبح واقعاً... سيدي الوزير.. ضحكت أيضاً من تأكيدك على أن إرتفاع الأسعار.. لا يشمل السلع التي تهم البسطاء من المواطنين.. وهنا أرجو إذا سمح وقتك وكنت «فاضي» لأصطحبك في جولة أقوم بها يومياً ولأقرب بقالة أو «كنتين» لتعرف معي كيف طارت أسعار سلعنا نحن الفقراء في طبقات الجو العليا كما الدخان... تعال معي لتعرف كيف قفزت بالزانة أسعار اللحوم.. والسكر والدقيق والزيت والصابون وحتى مرقة ماجي وشمل الارتفاع الصابون والكسبرة والبصل والثوم بالمناسبة لقد اشتريت اليوم.. اليوم فقط قطعة واحدة من الثوم بألف جنيه بالنظام القديم.. وهل أحدثك عن «الفول» الذي أقسم بأن عهد أي وزيربه هو قبل دخوله.. أو جلوسه على كرسي الوزارة أنا أجزم بأن الوزراء قد نسوا تماماً طعم «الفول» وهل هناك وزير «ياكل فول»؟؟.. سيدي.. الآن.. أنت قد اخترت ميدان وزمان المنازلة... نحن لسنا حكاماً ولا رجال خطوط... فقط نحن «فراجة» نتمنى لك الانتصار.. والمباراة هي بينك وبين «الفرانة» ولكن دعني أجزم مرة أخرى بأنك لن تهزم دولة «الفرانة»... لأنها مواجهة.. تشبة مواجهة «مانشستر يونايتد» مع فريق الانتصار بليق أم درمان ولكن أملنا كبير في الله.. أن تحدث المعجزة وماذلك على الله ببعيد.