عام بالتمام غاب فيها عن الدنيا.. الراحل المغفور له بإذن الله الفنان «محمود عبدالعزيز».. الذي خلف من ورائه إرثاً وجدانياً ليس بالسهل ولا البسيط.. أغنيات تدخل في مساحات السهل الممتنع.. (محمود الحوت).. إنها الأقدار التي لا يملك المرء حيالها إلا الخضوع لأمره ودعوات مسجية على قبره بالقبول والصفح والغفران.. كان محمود ظاهرة بكل أبعادها.. شكلاً ومضموناً.. دليلاً للشباب في مجال التغني والطرب.. وما خرجت هذه الجموع الهادرة في وداع جنازته الا تدليلاً على ارتباطها به وارتباطه به.. فقد كان (محمود) سودانياً في كل أشيائه ملحماً ومخبراً وجوهراً.. لبس «التي شيرت» فلبس معظم الشباب مالبس.. وضع الطاقية على رأسه. فوضع معظم الشباب ذات الطاقية حتى فرخ محبين أقرب للمريدين.. مدح الحبيب المصطفى خادماً للرسول، وجنح لمظاهر تصوفية فاتجه بعضهم إلى ما ذهب.. فكأن الرجل قائداً شبابياً.. اتفق الناس أم اختلفوا حول تجربته.. قفزوا فوق حواجز ابداعه أم التزموا حدود الخصوصيات.. يبقى محمود عبدالعزيز فناناً جماهيرياً عالي التأثير.. تغنى معه الكثير من شباب السودان لأنه غناهم وعبر عنهم بما يشبه أوجاعهم واحساساتهم النبيلة فهو في تفاصيله بذات اعتيادتهم في غدوهم ورواحهم.. وقبل كل شئ فإن القبول من الله.. فقد مكن الله له في قلوبهم هذه المساحات التي تستعصي أحياناً كثيرة على أصحاب الكثير من المميزات.. بكيناه محبة ولم نظن الا في عشم الله بقبوله وغسله من أوجاع الدنيا إلى رحابة عفوه ورحمته التي هي خاصته يهبها من يشاء ويمنعها عمن يشاء... ولا تخضع لما يقدره البعض حسب رواه.. جذبنا صوته الحنين الذي عندما يخرج كأنه «مارق داخل» من جوانا... محمود صحبنا في لحنية «أقمار الضواحي» هابشاً وممسكاً في حتات حساسة باعتبار ان أوتار «الصابرين» الممسكين بالجمرة قد هابشتها كلمات ما تغنى به ... فكان ائتلاف مجموعات محبي محمود من الحواتة وأقمار الضواحي.. أما على المستوى الإنساني كانت له خصوصيات العطف والتعاطف واليد الطولي وهذه أخلاقيات أهل الكرم والزهد.. لذلك ولإعتبارات أخرى تبقى ذكراه مقرونه بحراك الكثير من الشباب السوداني عندما يغنون أو يمدحون أو يحاولون عمل مسرب ما بين ذلك.. (محمود) اليك في حياة لم تصحب فيها الا محرابك الخاص وما قدمت.. عشم الكثيرين من المعجبين أن تجد فيها الأنيس ويبدلك بها الله عن شبابك ويصفح فيها عنك.. آمين آمين.. وقدرنا أن نظل نذكرك بذات حرارة الغناء. آخرالكلام يظل الدعاء لمحمود عبدالعزيز مستمراً من محبيه وعارفي قدره، وما قدم، ويمتنع أصحاب الوسوسة والغلو.. فلله ما أعطى، ولله ما أخذ، ومحمود عند المليك المقتدر، وما أعظم حال من يكون عند المليك.. «مع محبتي للجميع».