ü في لقاء له مع «الخرطوم» الغراء، كشف رئيس اتحاد المقاولين المهندس مالك علي دنقلا، الذي هو مقاول بالوراثة.. فهو ابن المقاول السوداني الشهير «علي دنقلا»، كشف عن أن قدراً كبيراًمما تعانيه بلادنا من تخلف في البنى التحتية، شوارع ومجاري ومبان وشبكات مياه ومنشآت ضرورية للخدمات وحركة الحياة يعود بالأساس للكيفية والأساليب التي تتعامل بها الحكومة ووزارة المالية مع المقاولين السودانيين، وازدواج المعايير التي تعتمدها في هذا التعامل بين المقاول الأجنبي والمقاول السوداني. ü شكوى المهندس دنقلا إنصبت في ذلك الحديث الذي نشر «الجمعة 17 يناير» على الكثير من وجوه التعامل الحكومي مع المقاول السوداني أهمها وأبرزها: ü إن المقاول الذي يتسلم مشروعاً للتنفيذ عادة، وبحكم طبيعة العمل، ما يأخذ وقتاً بين رسو العطاء الذي تقدم لهُ ووقت التنفيذ يستغرق عاماً أو عامين وربما أكثر، بينما الأسعار وفي ظل السياسات الاقتصادية المتأرجحة وأسعار الجنيه السوداني المتغيرة يجد نفسه بين يوم وليلة أن حسبته التي تقدم بموجبها لذلك العطاء قد باءت بالخسران جراء هذه السياسات الاقتصادية و المالية المتأرجحة والمتحولة فيسقط في يده، ويفقد «الوراهُ والقدامُه» وربما وجد نفسه بين جدران السجن ضحية ذنب لم يرتكبه. ü ويضرب المهندس دنقلا مثلاً عبر مقارنة لمبنى تقدموا له قبل عام على ضوء الأسعار في ذلك الوقت وآخر هو عبارة عن نسخة شبيهة أو مماثلة حسبوا كلفته في الوقت الراهن فوجدوا أن فرق التكاليف قد بلغ 24%. ü الأهم من ذلك كله، هو العلاقة التعاقدية بين الحكومة والمقاول، التي يسميها دنقلا ويصفها بأنها «عقد إذعان»- وهي عبارة قانونية تعني في لغة العامة «حُكم القوي على الضعيف»، فالحكومة هي المالك المتحكم في مشاريع البُنى التحتية وهي المشغل الرئيسي بالنسبة للمشاريع والمقاولات، والحكومة ذاتها هي التي تقرر السياسات الاقتصادية التي يترتب عليها هذا الاشتعال الجنوني في الأسعار، أسعار كل شيء بما في ذلك مواد البناء التي يستخدمها المقاولون في أعمالهم.. ومع ذلك فإن مستشاري الحكومة القانونيين الذين يكتبون عقود المقاولات يضعون مادة في العقد تنص على أن «الأسعار تظل سارية» مهما حدث، بمعنى أنه إذا ما تغيرت أسعار السوق، من مواد بناء أو أجور عمالة جراء التضخم الناتج عن سياسات قررتها الحكومة فما على المقاول إلا أن «يأكل ناره»، وليس هناك توصيف أنسب لهذه الحالة غير أنها «بلطجة قانونية» أو حكومية.. بلطجة لأنها تتعامل وفق أساليب لا تعرف لغة الأرقام والحساب ولا لغة العدالة ومنطقها، فهي تكتب العقود وفق هواها أو بمزاجها لأنها هي التي بيدها القلم.. فالعاجبه عاجبه والماعاجبه «الباب يفوت جمل»!. ü من بين ما شكا منه رئيس اتحاد المقاولين السودانيين هو تفاوت الأسعار لذات العطاء، تفاوت يصل إلى الضعف أحياناً لذات المبنى أو المنشأة المعينة، بينما في أي بلد خارج السودان لا يزيد الفرق بين عطاء أعلى وعطاء أدنى عن 10% إلى 15%، والسبب في ذلك يعود إلى أن أي شخص يتقدم بعطائه يأخذ في اعتباره كم سيكون سعر الدولار بعد أشهر قليلة من تاريخ تقديم العطاء. ü شكا مالك دنقلا أيضاً من المنشآت التي تبرز إلى الوجود فجأة، ولا يعرف اتحادهم المقاول الذي وقف على تنفيذها لأنهم لم يسمعوا عن طرح عطاء لانشائها ولا من هو الاستشاري الذي قام على تصميمها ولا يُوجد التزام بالقانون الذي يقرر أن توضع أمام المنشأة لافتة توضح كل تلك المعلومات.. يعني الحكاية كلها تمت «تحت تحت». ü أوضح رئيس الاتحاد كذلك أن شركات المقاولات الأجنبية أصبحت تشكل أكبر هاجس للشركات الوطنية. فأغلب المشاريع، حتى تلك التي لا تحتاج لخبرة أجنبية بدأت تذهب للمقاولين الأجانب، فهؤلاء يعملون الآن في تشييد المنازل والفلل والشقق، فيجنون الأرباح الوفيرة، لأنهم يضعون الأسعار التي تناسبهم، ومن ثم يأخذون الأموال بالجنيه السوداني، الذي «يفتلونه» في السوق السوداء ويهربونه إلى بلادهم. أما المقاول السوداني فغالباً ما يتلقى «سندات» على وزارة المالية تبقى حبيسة بين يديه لا يستطيع أن يسيِّلها حتى يواصل نشاطه، وقد يضطر إلى «كسرها»- أي التخلص منها بأقل من قيمتها الحقيقية- مما يدخله في دائرة العجز والإفلاس، فتلاحقه البنوك وقد ينتهي به الأمر إلى البقاء بين أربعة حوائط «إلى حين السداد». ü السؤال الذي نوجهه للسيد مالك دنقلا في ختام هذه «الاضاءة».. هو ما الذي يجبر المقاول السوداني على خوض كل تلك المخاطر ما دام الوضع بهذه القتامة.. وأين دور «الاتحاد» في مواجهة تلك الأوضاع التي تفتقر إلى العدالة والشفافية والنزاهة؟ أم أن هناك جُزءاً من الحكاية مسكوت عنه؟!