أنا لا أتحدث عن الوحدة والانفصال.. فهذا حوار طرشان على أساس أن هناك قوى نافذة نخبوية عبرت عن رغبتها في هذا الانفصال منذ زمن بعيد، فطرحت على الأشقاء في الجنوب ما يفوق مطلبهم «الفدرالية» إلى «الانفصال» -أو تقرير المصير مباشرة- والمعنى مفهوم.. وتبلورت الفكرة «العرض» في ذلك الوقت إلى أن وقَّع السيدان علي الحاج ولام أكول.. عن رغبة الطرفين النافذين القابضين على زمام الحكم، والممسكين بزناد البندقية في أن يطرحا ويتوافقا على خيار الانفصال.. كأحد خيارين.. لا نعلم أيهما الراجح وأيهما المرجوح، وإن كان أصحاب القرار الفوقي هنا وهناك رحَّبوا.. بأي الخيارين.. كحل لما يطرحونه ويعتقدونه.. ويؤمنون به هنا وهناك.. أو لا يساومون حوله.. ولو أدى ذلك إلى المجازفة بحياة السودان كدولة واحدة.. خلقت واحدة عبر التاريخ.. وينبغي أن تظل واحدة إلى الأبد أيَّاً كانت قناعات «النخب» المتنفذة هنا وهناك.. وفي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.. وهو إرادة الشعب المتمازج المتداخل المتعايش الذي لن يختار إلا الوحدة، وقد خبرها وجربها في أحلك الظروف.. ودليل ذلك أنه في الوقت الذي كانت تدور فيه المعارك في الجنوب.. كان المواطن الجنوبي يلجأ إلى الشمال طلباً للأمن والأمان فيجد كل ذلك وأكثر لقناعته هو وقناعة من لجأ إليهم أنه في وطنه هروباً من حروب لا ناقة له فيها ولا جمل.. ولكنها أجندة الذين حملوا السلاح كل يبشر بمشروعه وب«البندقية».. وما زال رأي أهل الجنوب وأهل الشمال عن هذه «الهلولة».. الدائرة.. تقرير مصير.. وحدة انفصال.. وأبناء الجنوب يعيشون حياتهم بصورة طبيعية في وطنهم في الشمال يتفرجون كغيرهم على هذه الملهاة المأساة، عدا من يضعون أجندتهم في جيوبهم ويرمون هم ومن خلفهم لتحقيق أهداف قد تتجاوز أشخاصهم وتنظيماتهم إلى آفاق أطروحات تتجاوز الحدود الإقليمية.. وتنفذ إرادات لاعبين «دوليين».. وإقليميين، هم الآخرون لهم حساباتهم في هذا العالم المضحك المبكي المضطرب.. وشر المصيبة ما يضحك.. ولنا عودة إلى أهل الشأن الشعبي هنا وهناك لنقول بثقة تامة إن الانفصال صفقة فاشلة.. وإن المصير هو الوحدة، حتى ولو نجحت بعض القوى في فبركة الانفصال المفروض.. حتى على المواطن البسيط والعادي صاحب الشأن المنتشر والمنبث والمقيم في كافة أصقاع وربوع السودان..!