تنطلق في العاصمة الأثيوبوية أديس أبابا يوم 13 فبراير الجاري جولة التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال حول المنطقتين ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن 4046 الذي ينص على التفاوض حول قضايا المنطقتين الأمنية والسياسية والإنسانية حيث تلقت الحكومة السودانية دعوة رسمية من لجنة الإتحاد الإفريقي رفيعة المستوى التي يترأسها رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابومبيكي، هذا وقد أكد بروفيسور/ إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية ورئيس وفد الحكومة أن الوفد الحكومي سوف يتوجه إلى اديس أبابا قبيل إنطلاقة المفاوضات وذلك لإستئناف التفاوض مع قطاع الشمال حول القضايا المطروحة بشأن المنطقتين. وكانت جولة المفاوضات المباشرة بين الطرفين في أبريل من العام 2013م وقد صلت إلى طريق مسدود ولم تحقق أي تقدم يذكر في القضايا محل الخلاف ، حيث دخل الطرفان في قطيعة طويلة في أعقاب دخول الجبهة الثورية بقيادة الحركة الشعبية مدينة أم روابة ثاني أكبر مدن ولاية شمال كردفان في يوم السبت الموافق 27/04/2013م حيث تبعد المدينة بنحو ثلاثة وثمانين كيلومتراً من العباسية تقلي التابعة لولاية جنوب كردفان ، ويتطلع الشعب السوداني إلى أن تحقق هذه الجولة إختراقاً حقيقياً في القضايا الثلاث المطروحة على طاولة التفاوض (الامنية، السياسية والإنسانية) وذلك لوضع حد للإقتتال الذي يدور بين الطرفين على مسرح الأحداث في الولايتين، وتهيئة المناخ الملائم على الأرض لإغاثة المواطنين الذين تحاصرهم ظروف إنسانية بالغة التعقيد . وتأتي هذه الجولة في ظل تحديات محلية وإقليمية ودولية، فعلى المستوى المحلي تصاعدت معاناة الشعب السوداني جراء إرتفاع السلع الأساسية بسبب رفع الدعم عن المحروقات وإضطراب قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار بالإضافة إلى تصاعد حدة القتال في جبهات عديدة والإحتكاكات القبلية التي تظهر من حين إلى آخر، أما على المستوى الإقليمي فقد ألقى تفجر الأوضاع في دولة الجنوب حديثة التكوين بظلال كثيفة على مجمل الاوضاع في شمال السودان بعد نزوح الآلاف من مواطني دولة الجنوب إلى المناطق المجاورة، وعلى المستوى الدولي فما تزال العلاقات الدبلوماسية بين السودان والولايات المتحدةالأمريكية اللاعب الأساسي في النزاعات الإفريقية ماتزال هذه العلاقات في المربع الاول. كل هذه الأسباب وغيرها تجعل جولة المفاوضات المقبلة محل إهتمام وترقب من المجتمع الدولي والمحلي وتكتسب هذه الجولة أهمية خاصة من خطاب رئيس الجمهورية الذي وجهه للأمة السودانية مؤخراً وسط إهتمام كبير وحضور كثيف من قادة الأحزاب السودانية في مقدمتها المؤتمر الشعبي، وقد إنطوى خطاب الرئيس على العديد من القضايا المحورية رغم الغموض الذي إكتنف لغة الخطاب حيث تناول جوانب مضيئة ربما تساعد الطرفين للحوار والتفاوض حول القضايا المطروحة بقلب وعقل مفتوحين لإحراز تقدم حقيقي يقود الطفين إلى حولة قادمة وحاسمة. ورغم توقعات المراقبين والمحللين السياسيين لما تواجه هذه الجولة من صعوبات وعقبات بسبب القطيعة الطويلة وما صاحبها من أحداث محلية وإقليمية ودولية ولكن هناك بعض العوامل المهمة التي لم تتوافر في الجولة السابقة وربما تلعب دوراً مؤثراً وفاعلاً في إحداث إختراق حقيقي للوصول إلى تفهمات مهمة وأساسية بشأن القضايا الخلافية وتجاوز عنق الزجاجة الذي ظل يسيطر على مفاوضات الطرفين، فوجود بروفيسور/ ابراهيم غندور بمسئولياته الجديدة بوصفه مساعداً لرئيس الجمهورية ورئيساً لوفد الحكومة ربما يوفر صلاحيات واسعة لأعضاء الوفد الحكومي لتحقيق العديد من النتائج رغم مركزية القرارات المفصلية لدى الحزب الحاكم المؤتمر الوطني. ويضع المواطنون في المنطقتين آمالاً وتطلعات كبيرة على الطرفين خاصة إذا توافر الٍإستعداد النفسي وتحلى المفاوضون بالصبر والحكمة في التعامل مع أجواء التفاوض والصعوبات والعقبات التي تظهر أثناء المداولات والحوارات وهي بالطبع تحتاج كذلك إلى لغة حوارية خلاقة وجاذبة ومؤثرة وفاعلة وذلك لتفادي الوسواس الظرفي الذي تحركه الإنتماءات الضيقة مما يتطلب تفكيراً عميقاً وإيجابياً للتغلب على المشكلات والتحكم في الإنفعالات التي تسود مثل هذه الأجواء، فإذا راعى الطرفان كل هذه الظروف والجوانب فمن المتوقع أن يتوصلا إلى نتائج مهمة ستفتح الباب واسعاً لإيجاد تسوية نهائية تنهي أعنف صراع تشهده المنطقتين، ولا يتأتى ذلك كله إلا بإخلاص النوايا وتوافر الثقة وتقدير حجم المسئولية الملقى على عاتق الطرفين وتلاشي خيارات البندقية والتأكيد على أن الحوار هو أفضل منهج لحل المشكلات مهما كان حجمها. ونعتقد أن الفرصة متوافرة للطرفين الحكومة وقطاع الشمال للأخذ بأيدي مواطني المنطقتين إلى بر الأمان حيث السلام والإستقرار ودعم أجواء التقارب والتماسك والحوار المجتمعي لخلق أرضية صالحة للحوار الوطني الشامل الذي يُتوقع أن تشهده البلاد خلال الأشهر القليلة القادمة إذا صدقت النوايا. إذن هناك تفاؤل كبير يسود الساحة السياسية السودانية بشأن جولة التفاوض القادمة بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال بالعاصمة الأثيوبية اديس أبابا في الثالث عشر من فبراير الجاري. والله الموفق