ظلت قضية مسرّحى جبهة الشرق واحدة من أكثر قضايا إتفاقية أسمرا تعقيداً، فبعد مرور أكثر من (7) أعوام على توقيع الإتفاقية لاتزال القضية ترواح مكانها بين شد وجذب الأطراف المختلفة لاسيما فى ولاية البحر الأحمر بعد أن تمكنت ولايتا كسلا والقضارف من تحقيق تقدم كبير فى طريق الحل، ومسرّحو جبهة الشرق هم المقاتلون السابقون ضمن قوات الجبهة التى كانت تقاتل الحكومة السودانية فى شرق السودان قبل أن يوقع الطرفان إتفاقية أنهت الصراع المسلح فى الشرق وذلك فى السادس والعشرين من أكتوبر فى العام 2006م بالعاصمة الإريترية أسمرا، حيث قسّمت الإتفاقية المقاتلين إلى فئتين الأولى تم إستيعابها ضمن القوات النظامية للحكومة والفئة الأخرى هم الذين لديهم الرغبة للإندماج فى الحياة المدنية، وقد التزمت الحكومة خلال الإتفاقية بتوفير الظروف الملائمة لدمجهم فى الحياة المدنية حيث نصت المادة (28) ضمن ملف الترتيبات الأمنية الخاصة بالإتفاقية على أن تكون حكومة السودان مسؤولة عن تقديم الدعم اللازم للمقاتلين المسرحين والراغبين في العودة للحياة المدنية، والذين لا تتوفر لديهم المؤهلات المطلوبة للإ لتحاق بالقوات النظامية، وذلك من خلال برامج إعادة الدمج الإجتماعي والإقتصادي وأن توفر حكومة السودان الدعم المالي واللوجستي الكافي لإعادة دمج المقاتلين المسرحين . تفكك جبهة الشرق وظهور مؤتمر البجا مجدداً .. خلال السبعة أعوام الماضية جرت مياه كثيرة تحت الجسر القت بظلالها على سير كافة القضايا التى حوتها الإتفاقية ومن ضمنها قضية المسرّحين، حيث تفككت جبهة الشرق وعادت إلى مكوناتها السابقة وابرزها تنظيم مؤتمر البجا الذى إنقسم بدوره إلى أكثر من جناح حيث ساهم هذا الوضع فى تعقيد القضية الأمر الذى جعلها موضع مزايدة سياسية من قبل الأجنحة المتصارعة مما دفع بالمسرّحين فى وقت سابق إلى تكوين لجنة خاصة بهم تبنت حل القضية، وفى العام الماضى وجه النائب الأول لرئيس الجمهورية بتحويل ملف المسرّحين إلى ولاة الولايات الشرقية الثلاثة لحل القضية فإستطاعت ولايتا كسلا والقضارف الوصول إلى حلول وجدت القبول من المسرّحين إلا أن ولاية البحر الاحمر فشلت فى إيجاد حل وأضطر المسرّحين إلى تنظيم إعتصام للمطالبة بحقوقهم إستمر لأكثر من أربعين يوماً خلال شهرا يوليو وأغسطس أمام مباني مفوضية التسريح وإعادة الدمج ببورتسودان، تم رفع الإعتصام بالتزامن مع زيارة قام بها مساعد رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر البجا موسى محمد أحمد لبورتسودان وبعد أن وعدت حكومة ولاية البحر الأحمر بحل القضية عبر لجنة أمنية تم تشكيلها بواسطة والى الولاية، لكن اللجنة لم تصدر أى توصيات ولم تلتقى بالمسرّحين خلال الأشهر الماضية الأمر الذى دفع بعضهم خلال شهر نوفمبر من العام الماضى إلى إقتحام مكتب والى البحر الأحمر لتسليمه مذكرة إحتجاجية لماوصفوه بالتلكوء فى حل القضية لكن تدخلت قوات الشرطة وتمكنت من تفريقهم. طريق مسدود .. عقب مغادرتهم مكتب والى البحر الاحمر أصدر المسرّحون بياناً بإسم هيئة القيادة العليا لقوات مؤتمر البجا طالبوا خلاله الأجهزة الأمنية بعدم الإنسياق وراء محاولة تأجيج الفتن والصراعات مؤكدين جاهزيتهم وإستعدادهم لإسترداد حقوقهم، وقال رئيس لجنة المسرّحين عمر هاشم الخليفة إن المساومات السياسية بين قيادات جبهة الشرق قد اضرت بقضيتهم وتسببت فى ضياع حقوقهم، متهماً رئيس حزب مؤتمر البجا موسى محمد أحمد بشق صفوف المسرّحين وتمرير أجندة حزب المؤتمر الوطني وذلك بعد فشل الأجهزة الامنية فى فض الإعتصام الذى نظموه، كما اتهم أيضاً والى البحر الاحمر محمد طاهر ايلا بإهمال ملف المسرّحين وعدم الإيفاء بإلتزاماته تجاه توجيهات النائب الأول لرئيس الجمهورية، وأضاف الخليفة إن اللجنة الأمنية التى تم تشكيلها لحل القضية بدأت معهم خطوات جيدة حيث تم تصنيف المسّرحين ورفع دفعة أولى من الأسماء لكن عمل اللجنة توقف دون وجود مبررات لذلك وبسؤالهم مدير شرطة الولاية الذى يرأس اللجنة أخبرهم أنهم قد رفعوا توصياتهم للوالى وليس لديهم سلطة لإتخاذ أى قرار. من جانبه قال عضو المجلس التشريعى لولاية البحر الأحمر محمود عثمان إن قضية المسرّحين يجب أن يتم حلها عبر رئاسة الجهورية وفى إطار الإلتزام بما حوته إتفاقية أسمرا وذلك للتعقيدات التى تشوب ملف الترتيبات الأمنية مضيفاً بالقول إن القنوات المركزية ربما تصبح أجدى فى الوصول إلى حلول مرضية لكافة الأطراف، وفى ذات الوقت طالب عثمان المسرّحين بضرورة توحيد صفوفهم من الوصول إلى حل للقضية مؤكداً على وحدة المطالب التى ينادون بها، كما طالبهم بالضغط على قادتهم السياسيين للوصول لرؤية مشتركة تسهم فى الخروج بنتائج إيجابية. إتهامات متبادلة .. أما رئيس حزب مؤتمر البجا الأصل شيبة ضرار فقد شن هجوماً عنيفاً على قادة جبهة الشرق السابقين وعلى رئيس حزب مؤتمر البجا موسى محمد أحمد متهماً أياه بالتسبب فى ضياع حقوق المسرّحين، كما إتهم الجانب الحكومي بالتلاعب بالقضية عبر إختياره لأشخاص يسعون لعرقلة أى حلول ممكنة مضيفاً أن اللجنة التى كونها والى البحر الاحمر كان بإمكانها حل القضية إن أرادت لكنه قال إن اعضاءها يعملون من أجل مصالحهم الخاصة، وأضاف ضرار إنه هو من دفع هؤلاء المقاتلين للذهاب إلى الميدان وهو كذلك يعتبر نفسه مسئولاً عن إعادة حقوقهم، مؤكداً أن جميع الخيارات مفتوحة فى هذا الصدد. لكن الناطق الرسمى بإسم حزب مؤتمر البجا عصمت على إبراهيم قال إن قضية المسرحيين هى قضية الحزب وأنها جزء من ملف الترتيبات الأمنية الخاص بإتفاقية الشرق وأكد إبراهيم خلال تصريحات صحفية سابقة أنهم قد تمكنوا من حل قضية المسرحيين فى ولايتى كسلا والقضارف ولا تنقصهم القدرة على إمكانية إيجاد حل لقضية مسرحى البحر الأحمر مشيراً إلى أنهم لصيقين بهذه القضية على الدوام لأنها جزء لاينفصل من الإتفاقية لكن التقصير كان دائماً من الطرف الحكومى وأن الحديث عن إبتعادهم عن قضية المسرحيين عار من الصحة تماماً.