معروفة من حيث الإسم بمجرد وصولك لمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان فالسائل عنها لا يجد صعوبة في الوصف هناك..ومقصود بها المنطقة شمال خط عرض 13 أو منطقة غرب بارا حديثاً وبارا الكبرى قديماً.. الوصول إليها يبدو سهلاً عندما تعدها بالكيلومترات وسيتوقف عدادها دون المئة.. بيد أن الرمال هناك تقف صامدة متمترسة في وجه كل عربة تحاول المرور عليها وتقف شرسة قوية لا تنكسرإلا لعربات (الفور ويل درايف ( عربات الدفع الرباعي ولربما وحدها تستطيع أن تقاوم بفتور..!! الحكومات هناك موجودة في وجدان البسطاء .. فهم يعلمون أن ذاك والي وآخر معتمد !! يحترمونهم ويكتبون فيهم الأشعار ولا يجدونهم في خدمة .. جميعهم يستمع إلى إذاعة الأبيض وهي تدندن« بقر البديري جن» وغناء عبد الرحمن عبدالله يعيد الأمل ويبعث التفاؤل في نفوس سامعي الإذاعة.. وإبراهيم موسى أبا يتفرد فيها بكلماته النضرات وهو يقول«قشاية الخريف خضراء شايلا نوارا النوم جفا عيونا خلانا سهارا.. بيك الخريف نور ياست بنوت بارا» وحينها يتنفس أنسان الريف طرباً ناسياً صعوبة الدنيا وغياب خدماته الرئيسية وبين ثنيات ذاك الطرب تدخل عناوين أخبار الأبيض التي تنحصر بين زيارات ولقاءات واستقبالات المسؤولين لبعضهم البعض وبين ردهات هذه الدقيقات ينقطع بث إذاعة الأبيض، دون أن يقدم بشريات أو افتتاحات ...!! وفي رحلة تحركنا من مدينة الأبيض عصرًا تتجه عربتنا نحو قرية الحاج اللين مسقط رأسي وهي تبعد حوالي 68 كيلو مترًا إلا أنها كانت بحاجة لثلاث ساعات كي نصل إلى قريتنا النائية القريبة !!! اعترضتنا شجيرات من الهشاب التي لا تنتج صمغاً ولا تهدي المارين ظلاً فقد تمكنت بذكاء من اعتراض سير الطريق وتعريجاته، حيث تشاء مرة باليمين، وأخرى بالشمال، وبعدها تلقتنا رمال طاغية تتجمع في«قيزان» كبيرة لا تعانق إلا بقوة وشكيمة وثبات، فتخطيناها وحالنا كدرويش صغير يحاكي كبار الدراويش، ورمال «أمجمط» ما تزال تنتظرنا، وهي تتبسم بشماتة الصديق المشفق وكأنها تقول(مرحباً حبابكم شفتو كيف سفرنا حار).... الشمس فارقتنا دونها.. وقفشات الركاب لم تنقطع فهي تدور بين الحنين الى الماضي، ومرالذكريات التي يتمحور أعظمها في المعاناة، ما بين مبيت السعاتة وسيسة التلوشي!!! الأدب أبرز سمات الإنسان هناك فالخروج عن الحاكم من أمهات المعاصي فهو يحترم(بضم الياء) وتذبح له النوق مهما كان تقصيره وتجاهله لهم، مع أنهم يعلمون أن التركيز جله على حواضر المدن، وبئس التركيز هو .. !! فلا كهربة تضيء، ولا ماء يسيل، ولا تعليم يحضر، ولا طرق تسمح.. ورغماً عن ذلك المنطقة تعاني من الجفاف والتصحر في البيئة، أو بالأحرى أن جزءًا منها قد استعاد غطاءه النباتي بفعل دخول أنابيب الغازلبعض البيوت ولكن الأخلاق والإنسانية ما تزال موجودة والخير ما يزال باسطاً فالفقير محترم وبعض الأغنياء يتواضعون..!!! منطقة دار الريح هي مسمى آخر لدار حامد تلك القبيلة الرعوية الزراعية المسالمة البعيدة عن السلطة مركزياً وولائياً تحتاج فقط لردمية إن لم يكن طريق يتخلل نهضة هارون ذات الصيت الواسع!!!!! تحتاج لمن يزورها ويتفقدها من باب أنهم قوة ناخبة إن لم يكونوا أصحاب حق حتى على المستوى الولائي.. كسره: سادتي حديثي لا يعني أن المنطقة فقدت طعمها ورونقها الجميل، فهي منطقة أنس وحنية وعطف، يتسوق الجميع في سوق واحد، وتجمعهم مجالس الشية والونسة والسمر الشفيف.. هي دار الريح التي قال فيها الشاعر الشعبي.. ديك الحله جيت باريها.. لقيت الصيد في واديها بشيل الجوز بسقيها..بحاحي الطير ما يجيها دار الريح تاريها ...مشتول المنقه فيها وفي أمان الله