تمددها فى التاريخ لايتفق مع الصمت المطبق حولها ..كذلك الرمال الصفراء والاحجار الصلدة التى تحيط بمعصمها، فالبجراوية كانت تهب فيها رياح الحياة من نواحيها الاربع..فبعد مرور زمان يمتد ما قبل وبعد التاريخ ومنذ ان قضى اجلها واملها ملك اكسوم اصبحت طرابيل البجراوية والمدينة القديمة التى انتقلت اليها عاصمة المملكة المروية من نبتة فى القرن السادس قبل الميلادى.. اصبحت الاقدام لا تأتى اليها الا للفرجة او للنهب كما فعل باحثو ومفتشو الآثار فى العهد الانجليزى فخليت المقتنيات التاريخية إلا من الجردان.. لصوص الطرابيل فى أواخر القرن قبل الماضى نهبوا ذهبها وكنوزها ولوكان بالامكان نقل الحيطان لكان! السياحة تشم نفسها الآن بعد حملة رسمية لاعادتها كمصدر دخل فى الولاية وفق ضوابط تتماشى واعراف المجتمع هناك.. آسيويون واوربيون من يعرفون فضل تاريخها اخذت اقدامهم البيضاء تسدر معتلية رمال اهرامها للوقوف على تاريخ علم البشرية الدفن فى الاهرام لاعزاء القوم.. مدافن ملكية تنتشر منذ القرن السادس قبل الميلاد للملوك فى جنوب البجراوية وشمالها وفى غرب المدينة القديمة اهرامات تفوق الخمسين كمدافن للوزراء وكساري تلج ذلك الزمان من مقربى السلطان. على مدخل المدينة التاريخية وفوق قيزان رمالها تحكر النور محمد عبيد الذى لم يعرف له شغلة غير نحت اهرامات تذكارية صغيرة ومشاغل من نحاس كاساور ملكات نبتة القديمة يبعها للسياح منذ (32) عاماً كاقدم بائع فى المنطقة.. يقول النور عندما تقترب منه (حبابك) كلازمة تحية لا تفارقه لايعرف فاه هان ينطق بغيرها.. النور ينحت الاهرامات من حجار بنيت منها الاهرامات البجراوية القديمة ويبيع السلاسل والاساور النحاسية يقوم بجلب نحاسها من السوق وكذلك مشغولات الخرز والسكسك تماما كزينة نساءنا القدماء ..الثمن زهيد يصل لخمسة جنيهات لكل سلعة ولاتزيد مداخيله فى اليوم. تزداد اذا ازدادت الاقدام القادمة عبر الافواج السياحية ..فالمدينة التى تقع على بعد (44) كيلو شمال شندى حاضرة دار جعل قد تخطئها العين المحلية لاحتجابها خلف رمال او لعدم اكتراث للوقوف على حضارة الماضى إلا من مختص هذه دراسته واكل عيشه بينما يقدمها أناس من بعيد.. من الخارج.. ولطبيعة الكرم التى تحيط باهل المكان تكون الخدمات المصاحبة من اكل وشرب مجاناً اكراماً لضيف ولتطير قروش السياحة!! بجانب النور يفترش عوض احمد وهو فى الثامنة من عمره لا يرغب فى التعليم كما اسر لى يفترش بعضاً من الاهرامات بجانبها طنبور للبيع لايصلح للغناء بل للتذكار لقد لامست اسلاكه بيدى فعرفت انه ما طنبور طرب بل زينة ساكت..عوض لا عوض له غير ان يرتفع بمبيعاته اليومية الى اكثر من خمسين جنيها قال لى انه يعول اسرته التى تسكن بالبجراوية السكنية الحديثة على بعد كيلو مترات من الموقع الاثرى القديم ..يختلف مع النور فى اسعاره فتصل الى مايفوق العشرة جنيهات .. مهنة اتخذها لنفسه اولا ليدر مداخيل وثانياً ليملأ بؤبؤ عينينه بشوفة اناسا سمحين على حد قوله يأتونهم زائرين..لما يحل قمر المساء ويفرغ المكان من الزوار ينجر لكل حسناء لمحها نهاراً قصيدة او دوباي.. فيمضى ليله يغنى على ليلاه التى يراها فى الحياة الدنيا مرة واحدة لا غير....!!