وتنبهم أمام الوطن كل الدروب.. أنا أقول الوطن ولا أقل الفقراء والكادحين والمطحونين من أبناء «الحرافيش» هؤلاء أحبتي ومنذ زمن تطاول في بشاعة ورعب هؤلاء انسدت أمامهم كل السبل وباتت الحياة أمراً مستعصياً وبهجة الأحلام- تلك المجانية- أكثر استعصاءً عاجزة كلياً وبلا حيلة.. فقدت كل مقومات الصلابة في مواجهة المصير المخيف الذي يزحف عليها بهدوء.. هؤلاء الحرافيش أظلم ليلهم المحتشد بالأسى بأهوال كما الوحوش ظلت تنتاشهم بل تهرس عظامهم حتى السحق أنياب وحش اسمه التمكين ذاك المفزع الذي رافق صنواً له اسمه الصالح العام.. تشرد من تشرد في القفار والفيافي.. وجن من جن وانتحر من انتحر.. ونحر من «تراجل» وصمد.. وغطاء من الليل الثقيل لا تبرق ولا تضيء سماؤها إلا بالشهب وشعلات البارود.. قتال وحشي بين أبناء الوطن الواحد.. ونزف دموي من أوردة وشرايين القبيلة الواحدة.. أعود إلى السطر الأول من هذه «المناحة» لأقول إن الدروب قد انسدت أمام الوطن.. الوطن بأسره كل الوطن.. فقد قال بكل هذا وبين السطور أو جهراً وبالصوت الجهير السيد رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني وهو يوقد شعلة مضيئة في أحشاء ذاك الليل الحلوك.. انفرجت بعض الأسارير وتسللت بعض الابتسامات حذرة في بعض الوجوه.. هبت نسمات ونسائم من أمل أن تلق الجنة مرة أخرى أنهاراً وظلاً.. وأن ننسى ولا نأسى على ماض تولى.. والماضي ذاك عندما كان المواطن السوداني مواطناً كامل المواطنة.. مبذول ومكفول حقه في حياة كريمة مسموح له بالتنقل حراً في مجاهيل الصحراء وكثافة اشجار الغابة.. عندما لم يسمع ولم يطرق أذنه نذير ونذر التمكين.. نعم كان الأمل أن تسيل دموع الشعلة أنهراً من الوقود.. نعم إن الشعلة ما زالت متقدة وما زال الأمل معقوداً عليها لفتح كوة يشرق منها الضوء في غياهب الليل الحلوك.. رغم هذا أنا أحس بالخوف والرعب والفزع على انطفاء هذه الشعلة.. كيف لا وأنا أرى أعاصير ورياحاً عاتية تهب في قوة تجاه الشعلة.. إما لإطفائها أواحتكار ضوئها لهم وحدهم.. إنها عواصف الاسلاميين.. أرأيتم كيف تدافع هؤلاء وكأنهم الفراشات عندما تسافر إلى أي نار تتوهج.. عفواً.. أنا لا أعني بالاسلاميين كل مسلم في هذه الأرض الطيبة من احتشد صدره بالايمان واتقد بين ضلوعه نور الإسلام.. أنا اعني تحديداً الأحبة من «الإخوان المسلمون» والذين هم الجبهة القومية الاسلامية والتي هي الآن «المؤتمر الوطني» بشقيه الوطني والشعبي.. عجيب أمر هؤلاء.. دللت تجاربنا وأكدت مسيرتنا ومن خلال رصدنا تأكد لنا أنهم يقدمون حزبهم و «حركتهم» على الوطن.. يحزنهم ويفزعهم إذا انشطر حزبهم ولا يحرك فيهم ساكن بل لا تهتز أو «تقيف» لهم «سبيبة» إذا انشطر الوطن أو حتى لو تفتت الوطن.. ويا خوفي من بكرة.. بل أنا كما الهادي آدم أهتف مرتجفاً.. يا خوف فؤادي من غد.. آه من غد كنت أرجوه اقترابا ولكني هبته لما أهابا.. ويا خوفي أن يعود بنا الأحباب الاسلاميون إلى المربع المفزع الأول.. وكيف أن الاسلاميين قد جاءوا إلى الحكم بدعاوى كبيرة.. ووصفات خلابة..! وكيف انهم زعموا أن لن يناموا إذا عثرت بغلة في «طمبرة» أو «طويلة» أو «حلفا» أو «حلايب» فماذا كان الحصاد.. بكرة نحدثكم عن الحصاد المر.. ونحدثكم عن دفاعنا عن الشعلة..