لك الحب والود والتحايا.. والسلام.. أكتب لك.. ولا أكاد أرى حتى أسطح الورقة التي تجري عليها «سنة» قلمي.. أكتب لك بعد «ثانية» واحدة من فراغي من مطالعة كلماتك الحزينة.. المليئة بالأسى.. المتسربلة بالخوف.. الغارقة في بحور الدموع المحتشدة بالرعب والفجيعة.. وأنت تكتب في صالونك الأنيق.. صالون «في ما أرى» عن «مأساة الدموع». نعم يا صديقي أنا خائف.. أرتعد.. «أرجف كما القصبة» هلعاً.. ورعباً من مصير لا أتمناه ينتظر السودان.. السودان بلادي الحبيبة.. التي أحمل لها حباً قد برى جسدي.. ولا عجب أن تدعي حبها الأقوام. نعم يا عادل.. باقان يدمع.. نافع يبكي.. غندور يبكي.. إخلاص قرنق تبكي.. بكاءً.. حاراً.. توثقه الكاميرات.. وتتصيده الفلاشات.. وبهراً صارخاً ساطعاً جهيراً.. وسط بؤر الضوء.. وإضاءة الهالات.. يعلمه كل النّاس.. تشهد عليه كل الدنيا.. يراه عياناً بياناً.. أي مواطن في الوطن الحبيب.. فقط لأن هؤلاء من يصنعون الأحداث.. فقط لأنهم يجلسون في أعلى قمم الوطن.. فقط لأهميتهم الطاغية والعالية.. فقط لأنهم وبحكم مواقعهم.. من ينظر لهم الناس.. ودعني أهمس في أذنك.. إنني أيضاً أبكي.. وقد بكيت يومها.. «قريب يوم داك ما طوّل».. وأنا أرى مركب الوطن البديع تندفع مسرعة بل تطوي الأمواج طياً.. نحو مرفأ «الانفصال».. بكيت كما الخنساء.. لم يكن بكاءً كتوماً.. لم يكن أنيناً خافتاً بل كان «جعيراً» ونواحاً لم توثقه كاميرا ولم تنقل أوصاف وألوان دموعي «جريدة».. لم يتداول أمره.. النّاس «ونسة» في بيوت «البكاء» وأندية الأعراس.. هو بكاء أحد «الحرافيش».. بل هي دموع أحد «العوام ولا أقول «الدهماء» لأن حالتي وبكائي.. يكون قد شاركني فيه حتماً ويقيناً ملايين المواطنين البسطاء أمثالي.. وكلنا.. «ناس ساي».. لا يؤبه لنا مطلقاً لأننا لسنا في العير ولا النفير. صديقي.. ولأنك.. مفتون بالوطن.. مرعوب من إقبال الفصل المخيف بالرعود.. ولأنك ترى بعيون زرقاء اليمامة.. أن الروض النضير لم يبق به غير عود.. ولأنك أثير جداً عندي.. دعني أحكي لك.. عن دموعي.. وليس كما صديقي عركي وهو يشدو.. عن حبيبتي بقول لكم.. آه يا عادل.. يا للحسرة.. بالله كيف كان الجو رائعاً صحواً بديعاً.. عندما كان كل همنا.. هو الحكاوي عن حبيبتي.. التي حدثنا عنها سعد الدين إبراهيم.. وكيف صار الجو متعكر الجوانب أغبر. المهم.. إنّه في لحظة خوف هائل.. وأنا أُتابع أحداث وأحاديث القادة «مؤتمر وحركة» وكيف كان أفق الوطن يشتعل بالشك.. ونُذر العاصفة تلوح.. فقد انفجرت في نوبة بكاء رهيب.. ليس سراً بل بالصوت العالي.. كل ذلك في قلب «منزلي» وسط دهشة وحيرة.. ورعب أبنائي.. أذكر ذلك جيداً.. أذكرها الأحداث تماماً.. التفّ حولي.. شمل العائلة.. حرمي المصون.. وأبنائي محمد.. أيمن.. وابنتي هند.. سألوني في فزع.. ما بك أجبتهم وأنا اختلج.. أنا أخاف على الوطن الجميل.. أتمنى وحدة عصية على التفتيت.. أو انفصالاً سلسلاً سليماً مسالماً وديعاً.. تظلله سحائب.. الإخاء.. يرفض تماماً بشاعة العداء.. ثم وداعاً.. من محب إلى حبيب.. أملاً في عودة.. آمنة.. أو «جوابات» بطعم العسل..!! تمشي وتجي على عربة بوستة قطار السلام.. الذي لن تتوقف أو تتأخر رحلته بين جوبا والخرطوم.. شاركني أفراد أسرتي الهم والدمع والأسى.. والأماني المُترفة.. والأحلام المبدعة.. ارتحت كثيراً.. وأنا أرى.. الوطن.. كل الوطن في عيون أبنائي.. و«أمهم» نزلت من على ظهري.. أحمالاً تهد جمال الشيل.. وها أنا أخب السير متوكلاً عليك يا الله دافر الليل. صديقي عادل.. ذاك ما أبكاني يومها.. أما الذي أبكاني البارحة.. هو ذيل عمودك الرهيب.. وأنت تكتب «المأساة يا سيد باقان أننا جميعاً سنبكي عند التاسع من يناير 2011م بكاءً مراً وليست تلك هي المأساة إننا لن نُدرك كنه تلك الدموع ومن أي ينابيع الأسى تدفقت ومن أي زاوية من زوايا الخذلان هطلت ولا أين هي الأغوار البعيدة التي تقذف بحممها على مآقينا تلك هي المأساة يا باقان. عادل.. هل تحدُث معجزة.. أنا انتظر وأتمنى معجزة.. لأن الله رؤوف رحيم.. مع السلامة.