ü عنده.. بالكلام وحده يحيا الانسان.. والكلام بعده كلام.. والكلام بجيب الكلام.. والسياسة ليس أكثر من (كلام * كلام).. ولا شيء غير الكلام..! ü هذا هو الانطباع الذي يتركهُ نشاط الاستاذ كمال عمر «الأمين السياسي» لحزب المؤتمر الشعبي وتخلفه حركته لدى أي مراقب للساحة السياسية السودانية.. لا نقول هذا من باب القدح والتشنيع ولكنه توصيف منضبط وموضوعي لحالة سياسية ملأت الدنيا وشغلت الناس طوال سنوات مثلّها الرجل، الذي صعد إلى سطح الأحداث إثر انقسام حزب المؤتمر الحاكم إلى «وطني» و«شعبي» ولم نكن من قبل نسمع له حساً ولا خبرا. ü ولأبريء ساحتي ولتأكيد حيادي وانصافي تجاه هذه الحالة، أقول جازماً إنني لم ألتق الرجل أو أتعرف عليه كفاحاً في حياتي، بالرغم من أن عينيَّ وأذنيَّ تعانقان طلعته البهية وصوته الجهور يومياً وربما لأكثر من مرة كل يوم عبر وسائل الاعلام مشاهدة أو مسموعة أو مقروءة.. فالسيد كمال- وهو محام كما أعلم- ويعرف جيداً حقوقه الدستورية، بحكم المهنة، يستهلك كامل حصته في «حق التعبير» ويضيف اليها حق حزبه وحقوق حلفائه وحتى جيرانه السياسيين.. فحول بذلك مهمة «الأمين السياسي» إلى «الناطق الوحيد والحصري» باسم الحزب وباسم التحالف الوطني المعارض، لولا أن شاءت الأقدار السياسية أخيراً أن يبتعد عن النطق باسم قوى التحالف التي أختارت «بشكل وفاقي أن يكون الناطق الرسمي باسمها هو الاستاذ صديق يوسف.. وحتى لا يكون هو ناطقاً بلسانين» كما قال في تصريحه ل«اليوم التالي» أمس الأول (الثلاثاء). ü لكن النطق «بلسانين» لا يقتصر في معناه على الحديث باسم تجمعين سياسيين- حزب وتحالف- بل يمكن أن يمتد الوصف إلى قول الشيء وضده من ذات المنبر- منبر «الشعبي»- الذي يتحدث السيد كمال عمر باسمه صباح مساء قارناً اسمه بمهمة «الأمين السياسي» حتى لم يعد الناس يعرفون ما إذا كان هناك «ناطق سياسي» للمؤتمر الشعبي أم أن الوظيفتين تم دمجهما وكلف بهما السيد كمال عمر دون غيره، ليتفوق بذلك على أكثر السياسيين «كلاماً» في تاريخ البلاد المعاصر من حيث «الكم» دون أن ينافسه في التصنيف «النوعي» للكلام، لا لغة ولا عمقاً في المعاني. ولن يصعب على القاريء فهم من نقصد بالاشارة. ü مناسبة هذه المقدمة الطويلة، هي ما طالعناه من حوارين منشورين للسيد كمال عمر في صحيفتين (في يوم واحد) هما هذه الجريدة «آخر لحظة» وجريدة «اليوم التالي»، الصفحة الثامنة في الأولى والسابعة في الثانية.. موضوع الحوارين واحد: هو قرار حزبه «الشعبي» محاورة المؤتمر الوطني بدون شروط ومبررات وآفاق ومآلات هذا الحوار المنتظر. ü في الحوارين، قال السيد كمال كلاماً متناقضاً رداً على سؤالين متشابهين أو متطابقين.. سأله محاوره من «آخر لحظة»: هل تحاولون إعادة غازي وصحبه إلى حظيرة الحزب؟ (بمعنى الاصطفاف الاسلامي).. أجاب كمال عمر بقوله: أرفض كلمة (حظيرة) وما شابهها، ولكننا سنعمل على توحيد (لُحمة) الحركة الاسلامية، وهو برنامج حزبنا الذي أطلقنا عليه (النظام الخالف)- لاحظ لغة الترابي، فالخالف تعني الوريث كأن تقول: «خير خلف لخير سلف»- ومضى كمال يقول، لن يشمل غازي فقط بل سيأتي بكل «التيارات الاسلامية»، وهو أنموذج مشابه «للجبهة الاسلامية» لخوض معارك الانتخابات، وهذا ليس اصطفافاً اسلامياً في مواجهة علماني، الجميع متساوون، الفكرة ستشمل نافع وعلي عثمان والطرق الصوفية، وانصار السنة، والسلفيين، وسيشمل التيار الاسلامي العريض و «العفويين»- هذا فصيل اسمع به لأول مرة- وسيشمل آخرين غير منتمين، سنشكل (تحالفاً اسلامياً وطنياً) يسعى لإعلاء قيم الانتماء الوطني. ü كانت هذه إجابة السيد عمر على سؤال «آخر لحظة» الذي بدأ بغازي وانتهى ب«التحالف العريض والجبهة الاسلامية» ومع ذلك يقول الرجل «بلسان آخر» في الاجابة على ذات السؤال بأن هذا «ليس اصطفافاً اسلامياً» في مواجهة الآخر «العلماني»، ولا ندري كيف يكون «الاصطفاف» أو «التكتل» بعد كل الذي عدد من مكوناته بدءاً من الأفراد النافذين كعلي عثمان ونافع وغازي وانتهاء بالتجمعات الدينية الصوفية والسنية إلى آخر القائمة التي قرأتموها إن لم يكن ذلك اصطفافاً ايديولوجياً.. فالسيد عمر يقول- في معرض اندفاعه الكلامي- الشيء وضده دونما أدنى حساسية أو حرج. ü أما في رده على سؤال محاوره من «اليوم التالي» حول ذات الموضوع والذي يقول: تحالف المعارضة يخشى أن يكون الحوار من أجل وحدة الاسلاميين فقط؟ أجاب السيد كمال عمر بعنفوان يوحي بالثقة الكاملة قائلاً: هذه مجرد هواجس لا غير، ونحن نسعى لوحدة السودانيين «قبل الاسلاميين».. نريد توحيد الشعب السوداني وفق أجندة لا تُغيِّب أحداً، ولا مبتغى لها غير «الاجماع الوطني».. وهذا هو الطريق الوحيد لتجاوز الحال الراهن بمخاطبة جذور الأزمة. ü هذه مجرد عيّنة من التناقضات التي رصدناها في أحاديث السيد عمر وتصريحاته المنهمرة آناء الليل وأطراف النهار، وهو تناقض يؤكد أن الرجل يتحدث بلسانين.. ولا نعلم يقيناً إن كان يفعل ذلك طوعاً ولتقديرات ذاتية أم خضوعاً لتوجيهات صادرة من المراجع العليا في حزبه، الذي طرح وألغى «الشروط المسبقة» للحوار مع «الوطني»، ورأى أن يقول له قولاً هيناً «لعله يذكّر أو يخشى» كما قال شيخ الترابي عقب لقائه بسفراء الاتحاد الأوروبي الاسبوع الماضي والذي علقنا عليه الأحد ب«إضاءة» حملت عنوان «الترابي.. كلام معقول» أم أن ذلك الكلام المعقول كان أيضاً من قبيل «مسح الوَبَر فوق الدَبَر»- أي المداهنة واستمرار الخداع- وأن الرجلين، الترابي وتلميذه كمال عمر، يعملان كما قال الأخير لعودة «لحمة الاسلاميين» وبعث الحياة في «الجبهة الاسلامية» العريضة لإقامة (النظام الخالف) وليس (الاجماع الوطني) وفق أجندة لا تُغيّب أحداً كما قال في مقام آخر.. أم أن إرباك الساحة السياسية وخلط الأوراق مقصود في حد ذاته استمراراً «لنهج قديم» أوصلهم إلى السلطة وهو ضروري الآن للابقاء عليها وتأكيد ديمومتها عبر عملية جديدة لإعادة تقسيم الحصص والانصبة، بحيث يرضى كل فريق بقسمته و «يا دار ما دخلك شر».. والله أعلم!