الحبيب الغالي جداً عصام جعفر مرة أخرى لك أطنان من الود.. وأمطار من الحب.. وأنهار من المودة.. وتلال من الاحترام.. ونعود بك إلى ديار حبيبة إلى نفسي وزمان أسير لروحي.. وذاك الشاب الأمريكي المتقدم فكراً وجسارة.. يؤرخ للثورة البلشفية.. يكتب كتابه الوثيقة والحقيقة بعنوان «عشرة أيام هزت العالم» يموت في ريعان الصبا وشرخ الشباب.. يوصي «لينين» إكراماً وتكريماً له بأن يدفق على جدار «الكرملين». أتذكره.. وأتذكر كتابه الرهيب.. وأتذكر تلك الأيام المجيدة.. وأنت تنتشي بفرح الأطفال في العيد.. وتتفجر حبوراً كطير طليق ابتهاجاً بعودة «شيخك» إلى البرلمان.. ويطوف بذهني كل ذاك الفرح الذي كان مفتاحه هو الرقم «عشرة» واستدعي كل ألوان الخوف وستائر الرعب.. وبشاعة الذكرى.. وأنا أتذكر «عشرة أعوام» هزت ورجت الدنيا عندما كنتم «كتلة» واحدة.. وعندما كان شيخك نجماً يتلألأ في سماء السودان.. أكاد أراك تشدو طرباً برائعة «إبراهيم عوض» «ليالي لقانا جميلة كانت كانت يا سلام.. أفراح وسمر وأغاني.. والدنيا منى وأحلام».. وأنا ومثلي «ملايين» يرتجفون كما «القصبة».. ويعومون في بحور عرق الخوف.. ويرتعشون كالذين انتهكت أجسادهم الحمى.. عندما يتذكرون في فزع «عشر» سنوات شيخك تلك المفزعة التي انجلت أعاصيرها بعد المفاصلة.. «نسيت وللا متذكر».. لا بأس «إن كنت نسيت أنا ما نسيت» نقص عليك أيامها سنة.. سنة.. شهراً.. شهراً.. يوماً.. يوماً كانت «البنادق في السما».. وشبابنا في الأدغال والأوحال وسط الخنادق والأمطار كان الأفق أحمر قاني الحمرة.. من وهج البنادق والمدافع.. طوابير من النعوش.. ونسمات تحمل روائح الحنوط.. وتذهب «العشر» سنوات.. ثم ترفرف بيارق السلام.. بل ترقص رايات السلام مع دفقات الريح.. وهل أحدثك عن «التوالي» نعم أحدثك عن كيف هو الغموض والهروب من لغة الضاد وذاك العربي المبين.. وها نحن وها هم اخوانكم وبعد رحيلكم يتحدثون علناً عن كلمة «الديمقراطية» التي نعرف وعن الأحزاب التي نألف.. لا تظن يا صديقي إن هذا يرضي طموحنا ويشبع عقولنا ولكنه أفضل من أيامكم تلك الحافلة بالغموض والمحاورة واغراقنا في بحر من الطلاسم التي أعجزت حتى «إيليا أبو ماضي». وهل أحدثك عن «الإجماع السكوتي» ذاك الذي يفضل الصمت على الحديث ويعلي قيمة الحدس على البوح الفصيح.. وهل أحدثك عن تلك القوافل المناهضة لأوطانها وكيف هي ضيفة عزيزة عندما تعبر عندنا الحدود دخولاً لا خروجاً.. صديقي عصام.. أنا والله لست شريراً.. بل أنا من الذين يباركون في صدق أي تقارب ولقاء وعناق بين أي فرقاء في هذا الوطن الذي كان جميلاً.. لا أرفض لقاء شيخكم «بإخوانه» الذين فاصلهم ولكني أتمنى أن يكون اللقاء فقط لحركتكم الإسلامية بعيداً عن الوطن.. بعيداً عن الدولة.. بعيداً عن القصر.. بعيداً عن البرلمان.. أما أي أمر غير هذا لن يكون غير استدعاء تلك الأيام المفزعة.. والسنوات المرعبة.. والعودة بنا مرة أخرى لأحبابكم لينشدوا مرة أخرى «فلترق كل الدماء». مع السلامة بكرة نتلاقى طه النعمان