أحبتي.. كل عام وأنتم بخير.. والوطن بخير.. وشعبه العظيم.. الكريم.. النبيل بخير.. أعاده الله على هذا الوطن.. وقد صمتت المدافع.. وسكتت البنادق.. وانجاب الدخان.. دخان البارود من سماء الوطن لتصبح.. زرقاء رويانة كفنائل الأحبة الألداد.. الأشقاء.. في الهلال.. رغم اني أعتبر أن الأحمر هو أشرف الألوان.. ولست وحدي في ذلك.. معي جيوش وفيالق.. ومفارز.. ومظفر النواب يقول.. وطني علمني.. إن حروف التاريخ مزورة.. حين تكون بدون دماء.. وهل هناك أكثر نبلاً وقدسية.. وروعة.. من الدم.. والدم أحمر قاني.. يسر لونه الناظرين.. نعود إلى الأماني المترفة.. وأن يعود العيد.. وشعبي السودان الكريم.. تشمله عناية الذي بيده مقاليد الأرض والسموات وما بينهما.. تشمله عنايته ورعايته أن تنزاح عن صدره هذه الصخرة الهائلة التي سحقته سحقاً.. و«قطعت» نفسه قطعاً.. وأدمته إدماءً.. لا تذهبوا بعيداً.. الصخرة التي أعنيها هي صخرة المعاناة.. والجوع.. وقلة الحيلة.. واستحالة المعيشة.. وفقر يرفع في الفضاء أعلاماً.. ومرض تزدحم على طرقاته ودروبه أوجاعاً وأسقاما.. وأن تعود تلك الابتسامة الودودة.. الصافية العذبة إلى وجهه الصبوح الذي صار ولعقود بل لعقدين «مكشراً» و «مصروراً» و «مكرمشاً».. ومتجهماً.. وهو المرآة التي تعكس تلك النيران من الحرقة والألم والأسى التي تفور وتمور.. وتغلي في تجاويف صدره وبين ضلوعه.. وأن يعود العيد القادم.. لا.. ولماذا العيد القادم ذاك الذي يأتي بعد سنة من الآن.. بل أن يعود العيد القادم- عيد الأضحية- ويجد أن السودان العظيم الكبير.. المتسامح.. قد اجتاز تماماً.. تلك العقدة الشائكة.. والمعضلة الحزينة.. مع دولة الجنوب.. أن تتلاقى الأيدي أيدي شباب صادق ونبيل.. أن ترفرف أعلام السلام.. والحب والمحبة مع الجيران الجدد.. أن تنساب ينابيع النفط.. متدفقة آمنة عبر سهول وبراري وغابات السودان.. من آبار نفط الجنوب.. وحتى ثغر الوطن في بورتسودان، وأن تعود مرة أخرى.. روح بابو نمر.. ودين مجوك.. متعانقة.. متلاحمة.. محلقة في سماء أبيي.. وهي تنشر ظلال الحب والمحبة.. وتنفث في الأجواء عطر الأخوة وتنشر على الأرض أزهاراً وثماراً.. وأن تستقبل المروج الخضراء.. وهي تفرد أحضانها الواسعة والدافئة.. للقادمين.. أحبة وأخوة أعزاء.. حتى موعد الهجرة العكسية.. وأن يعود للعيد.. وتسبقه رياحه وهوج رياحه.. وهي تذهب إلى المجهول.. بأصوات وصراخ.. وزعيق المتفلتين.. المغالين.. المتشددين.. المتشنجين والتي ظلت تجلجل في سماء هذا الوطن المتسامح.. وهي تدعو إلى التعصب الأخرق.. والاستعلاء الأحمق.. ودعوات الجاهلية تلك النتنة والتي تمجد القبلية والجهوية.. وأن يحشد الله قلوب هؤلاء بثقافة السلام.. بعد أن يذهب عنهم تعطشهم للحرب والقتال والنزال.. وأن يجعل عيونهم تفرح للرايات البيض.. رايات الحب والسلام بديلاً لأشواقهم وابتهاجهم بطوابير النعوش.. وحبهم لرائحة وروائح الحنوط.. وأن يعود القادم.. ويجد أن أئمتنا ومشائخنا.. قد هدأت نفوسهم قليلاً وصاروا يحدثون الناس في لين وبالحكمة والموعظة الحسنة.. وأن يعود القادم.. ونجد أن في الوطن.. ما زال.. فيه من تحتشد نفسه وروحه بالنبل والشجاعة.. مثل محمد عبد العزيز.. الذي ضرب مثلاً في رفعة وسمو الأخلاق.. وهو يدفع باستقالة بات حدوثها في هذا العهد السعيد من رابع المستحيلات.. وحسناً فعلت قيادة البلاد برفضها.. فهو من الذين نجزم بأنه أحد آخر هؤلاء المحترمين.. وكل عام وأنتم بخير..