حينما أكتب عن المغتربين وقضاياهم، لا أكتب تحيزاً من منطلق انتمائي لهذه الشريحة المهمة من المجتمع السوداني، بل أكتب من واقع معايشة حقيقية لقضاياهم ومشاكلهم وهمومهم التي يصيبها المد والجذر بحسب تقلبات أو ثبات السياسة المتبعة من المركز تجاههم. ويتفق معي الكثيرون أن قضايا المغتربين باتت في تصاعد مستمر لغياب السياسة الواضحة تجاههم ولبعد الجهاز عن صميم القضايا الملحة والمصيرية، حتى بات الجفاء سيد الموقف بين الطرفين. لم يكترث المغتربون لإبعاد الدكتور كرار التهامي من سدة الجهاز، ولم يهللوا أيضاً لتعيين الأستاذ حاج ماجد سوار مكانه، نتيجة للثقة المفقودة بين الطرفين، بل وفي ظل ما ترسخ لدى مسؤولي الجهاز والحكومات المتعاقبة نفسها أن المغترب هو البقرة الحلوب في كل الأوقات، رغم القحط والجفاف الذي بات يضرب مواقعهم هنا وهناك، نتيجة لظروف الاقتصاد العالمي والتغيرات المتسارعة. حينما تسنم الدكتور التهامي الأمانة قبل نحو أربع سنوات تقريباً (تزيد أو تنقص)، استبشر المغتربون ظناً منهم أن الرجل الذي خرج من بينهم بوسعه أن يسرع في حلحلة الكثير من قضاياهم، باعتباره ملماً بشكل كامل بها من واقع غربته الطويلة، بل وباعتباره من وجوه المجتمع النشطة والفاعلة حينها في العاصمة السعودية الرياض، إلا أن واقع الحال كان غير ذلك تماماً، لظروف بعضها موضوعي وبعضها شخصي، قد نتطرق لبعضها خلال هذه المساحة. الأستاذ حاج ماجد سوار شخصية سياسية عامة تسنمت عدداً من المواقع منها الشباب والرياضة وترأس البعثة الديبلوماسية السودانية في ليبيا كمحطة قبل أخيرة لتوليه الجهاز، وهنا لا نريد أن نقدح أو نمدح في شخص الأمين الجديد أو نحلل قدراته، ومدى امكانات نجاحه من فشله بقدر ما نريد أن نضع أمامه من خلال عدة حلقات، وهو في بداية مشواره مع هذه الشريحة العريضة من المغتربين، ما نرى أنها أجندة مهمة، تتطلب إيلاءه إياها المزيد من الرعاية والدعم والمتابعة، باعتبارها هواجس وهموم حقيقية لا تحتمل التأجيل أو التطويل في البت، وعلى رأسها الجهاز نفسه من حيث الاستراتيجية والأهداف، وأهمية دوره في خدمة المغترب وكيفية بناء الثقة بين الطرفين، وقضايا التعليم الأساس في الخارج والجامعي في الداخل، وتسهيلات المغتربين والضرائب والقضايا الشائكة للجاليات. ولا يعتورني شك في أن القادم الجديد يدرك هذه القضايا، ويعرف جوانب عديدة من خفاياها، إلا أن الواجب والضمير الصحفي يدفعنا لطرقها بشكل متواتر، عسى أن تجد أذناً صاغية، آملاً في أن يستفيد من قدرات وامكانات نائبه الدكتور كرم الله علي عبدالرحمن، الذي يتميز بشخصية محبوبة لدى شريحة واسعة من المغتربين اكتسبها بتواضعه الجم وعلاقاته المتميزة والمتوازنة مع الجميع، مدعوماً بخبراته الطويلة في العمل العام وقدرته على إدارة الاختلاف ببراعة، مما أكسبه احترام الجميع. فاصلة: لا تسعى لتكن ناجحاً فقط، وإنما لتكون ذا قيمة. ألبرت انشتاين