ü الحلقة الماضية عددنا بعضاً من أصابع يدنا التي يتسرب من بينها الوطن، وفي هذه الحلقة نعود الى الوراء قليلاً ونذكر شيئاً من أصابع جيل الاستقلال والسودنة أو ما قبل ذلك بقليل. ü فالاستعمار الذي الصق الجنوب على خاصرة الشمال خنجراً حاداً مسموماً لم يزمع الرحيل إلا بعد أن اطمأن على أن سياسة المناطق المغلقة (closed district) قد أتت أكلها، وبعد أن اطمأن أن كتيبة الاستوائية التي أسسها «انجليزية الأوامر، مسيحية الشعائر» قد استوعبت تماماً ما هو مطلوب منها، فقامت قبل خروج الاستعمار بتنفيذ مذبحة توريت في شرق الاستوائية ومناطق أخرى قتل فيها مئات التجار الشماليين المسالمين. فبعد أن زرع الاستعمار الريب وعدم الثقة في نفوس الجنوبيين من خلال التعليم الكنسي والتنصير والتحريض ضد الشمال أراد بمذبحة توريت أن ينقل نفس الداء الى الشماليين. ويخدعنا المستعمر قبل ثماني سنوات من المذبحة المشؤومة، حيث جمع في عام 1947 القيادات الجنوبية ومديري المديريات الجنوبية وبعض الشماليين في مؤتمر جوبا الذي خير الجنوبيين بين الوحدة مع الشمال أو الانفصال بدولة مستقلة، فاختار الجنوبيون الوحدة بايعاز من مديري المديريات الانجليز! ü ثم نرفع راية الاستقلال ونأتي بسرسيو آيرو وآخرين من الجنوب «تمومة جرتق»، ولا نشرك الجنوبيين إشراكاً فعلياً في هذا الانجاز الوطني العظيم.. ثم نغني: «منقو قل لا عاش من يفصلنا» ومنقو هناك في الغابة لا يفهم شيئاً مما نغني!! وهو قطعاً لم يُغن للاستقلال بل لم يسمع به ولم يحسه.. فنحن رفعنا العلم أصالة عن أنفسنا ونيابة عنه وغنينا باللغة العربية الفصحى وطلبنا منه أن يقول: «لا عاش من يفصلنا» يا للسذاجة.. والاستعمار خطط للفتنة لعشرات السنين القادمات كما خطط لانفصال دموي من خلال وحدة هشة «فبركها» في عام 1947، ثم عندما تطورت أفكارنا قليلاً غنينا نيابة عن ملوال بلهجة الوسط مشبوبة بعربي جوبا (Joba Arabic): «أنا وأخوي ملوال.. كل واحد قال: مافي شمال بدون جنوب.. مافي جنوب بدون شمال.. كلنا اخوان» وملوال لا قال ولا طال.. وكذلك قلنا: «ثلاثة مارس عيد يوم وحدة السودان» فاعترفنا ضمناً أنه لم يكن موحداً! ü فأسألوا زرقاء اليمامة ما إذا كانت ترى سيناريو الجنوب يتكرر مع شيء من التعديل في أقاليم سودانية أخرى.. سلوها ولا تصدقوها حتى تكشف الأشجار المتحركة عن جمهوريات جديدة في السودان «الوطن القارة»! والله المستعان