مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري.. زعيماً وطنياً ونبراساً يحتذى .. بقلم: د. أبوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 19 - 07 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
[email protected]
توطئة:
- لا بد لنا من أن نلقي الضوء على أهم شخصية وزعيم في تاريخ السودان وأحد أهم قيادات الأحزاب التاريخية الرائدة وأهمها على الإطلاق وهوالحزب الوطني الاتحادي هو أعرق أحزاب السودان التي قادت الوطن إلى الاستقلال بقيادةهذا الزعيم التاريخي السيد إسماعيل الأزهري، والزعيم الأزهري اشتهر بأنه أبا الوطنية، فقد كان مناضلاً وطنياً أميناً، لا يشق له غبار ولا تلين له قناة، كان يتصف بعفة اللسان والقول، كان طاهر اليد والسريرة ، ولم تكن تأخذه في الحق لومة لآئم . كان رمزاً وطنياً في الخلق والأخلاق وكان رجل مباديء لم يخلط وطنيته بما يشوبها، ولم يتخذ الدين وسيلةً طائفيةً لغايات وطنية وحزبية سياسية!!
- ولد الزعيم في بيت علم ودين، تعهده جده لأبيه السيد إسماعيل الأزهري. تلقى تعليمه الأوسط بواد مدني، كان نابهاً متفوقاً، التحق بكلية غردون عام 1917م ولم يكمل تعليمه بها. عمل بالتدريس في مدرسة عطبرة الوسطي وأم درمان، ثم ابتعث للدراسة بالجامعة الأمريكية ببيروت وعاد منها عام 1930م. عين بكلية غردون وأسس بها جمعية الآداب والمناظرة. كان ضمن الوفد الذي ذهب إلى بريطانيا عام 1919 م ليهنئها على انتصارها في الحرب العالمية الأولى. وعندما تكون مؤتمر الخريجين انتخب أميناً عاماً له .
- تزعم حزب الأشقاء الذي كان يدعو للاتحاد مع مصر في مواجهة الدعوة لاستقلال السودان التي ينادي بها حزب الأمة. عارض تكوين المجلس الاستشاري لشمال السودان والجمعية التشريعية. تولى رئاسة الحزب الوطني الاتحادي عندما توحدت الأحزاب الاتحادية تحته في عام 1954م. انتخب رئيساً للوزراء من داخل البرلمان وتحت تأثير الشعور المتنامي بضرورة استقلال السودان أولا وقبل مناقشة الاتحاد مع مصر، و بمساندة الحركة الاستقلالية تقدم باقتراح إعلان الاستقلال من داخل البرلمان فكان ذلك بالإجماع.
- تولى منصب رئاسة مجلس السيادة بعد قيام ثورة أكتوبر 1964 م إبان الديمقراطية الثانية.
- اعتقل عند قيام انقلاب مايو 1969 م بسجن كوبر وعند اشتداد مرضه نقل إلى المستشفى إلى أن توفي بها.
- ارتبط شهر أغسطس (آب) في الذاكرة السودانية بالازمات والكوارث على مدى حقب عديدة، ففي 27 أغسطس 1969، انتقل الزعيم اسماعيل الازهري رئيس اول حكومة وطنية ورئيس مجلس السيادة حتى 25 مايو (ايار) 1969 الى رحاب ربه في مستشفى الخرطوم، وكان قبلها قد احيط منزله بأم درمان بالمدرعات ثم نقل الى سجن كوبر بالخرطوم بحري وأوشك اعلان وفاته المفاجئ ان يفضي الى انفلات أمني نتيجة الحزن والغضب العارم من جانب المواطنين ضد الحكم «المايوي» لولا المعالجة العاقلة من قيادة الاتحاديين.
المتن:
أفكار وأيدلوجية الحزب
أهم الركائز الفكرية التي يعتمد عليها الحزب:
تفرد الهوية السودانية واستقلالها عن البعدين العربي والأفريقي مع الاعتراف بالبعدين كمكونين أساسيين من مكونات هذه الهوية.
عدم إلباس السياسة أي صبغة دينية.
الديمقراطية الاشتراكية هي نهج الحزب الاقتصادي واقتصاد السوق الاشتراكي هي ما مارسه الحزب إبان تولية وزارة التجارة في الحكومة الديمقراطية الثالثة 1985-1989م عبر الاقتصادي المبدع يوسف أبو حريرة وزير التجارة حينها.
الليبرالية الاجتماعية هي رؤية الحزب لشكل العلاقات في المجتمع، ويرى الحزب أن السودان أصلا محقق لهذا المبدأ عبر عاداته وتقاليده وأهمها النفير، والفزعة وتكافل الجيران والتكافل الاجتماعي في الأفراح والأتراح مع افساح تام للطريق أمام الحريات الشخصية والدينية والاعتقادية.
تأسيس الحزب:
تأسس الحزب فعليا عقب اندماج عدد من الاحزاب الاتحادية تحت مسمى الحزب الوطني الاتحادي في القاهرة سنة 1953م، كانت أهم الأحزاب/الروافد المشكلة للحزب الوطني الاتحادي:
ü حزب الأشقاء (بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري)
ü حزب وحدة وادي النيل (بقيادة الدرديري أحمد إسماعيل)
ü حزب الأحرار الديمقراطيون.
قيادات الحزب
الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري أول زعيم للحزب.
الزعيم الشهيد حسين الهندي.
الزعيم الشريف زين العابدين الهندي.
ومن أهم القيادات ورموز الحزب الذين لم يتلونوا ولم يبخلوا على الحزب بالغالي والنفيس حتى في أحلك الأوقات والمراحل ، ذاك الرجل هو الجسور سيد أحمد الحسين الذي ظل وفياً للحزب وقيمه.
خلفية تاريخية:
- عملت مصر بقيادة اللواء محمد نجيب، أحد أهم قيادات ثورة يوليو 1952م، على التصالح مع مختلف القوى السياسية السودانية بعد التاريخ المرير من الاستغلال من قبل الحكومات التركية/المصرية ومن ثم الحكومات البريطانية/المصرية. إذ عمد اللواء محمد نجيب إلى منح الأحزاب التي تدعو إلى استقلال السودان تماما عن مصر، وعودا بخصوص حقهم في تقرير مصير السودان، وعمل على دمج الأحزاب التي تدعو إلى شيء من الشراكة مع مصر كالأحزاب المذكورة أعلاه، حيث كان لكل حزب رؤيته الخاصة للشراكة مع مصر. جمع محمد نجيب تلك الأحزاب وسعى لتوحيدها، واتفقت الأحزاب المجتمعة على تشكيل حزب جديد سمي بالحزب الوطني الاتحادي وتقلد رئاسته الزعيم إسماعيل الأزهري.
- حصل الحزب الوطني الاتحادي على أغلبية مطلقة في أول انتخابات تقام في السودان وشكل أول حكومة وطنية منفردا، وقاد الحكومة إلى أن استطاع بمعية الأحزاب الوطنية السودانية تحقيق الاستقلال في مطلع ياناير 1956م. وقد أطيحت حكومة الحزب بفعل تحالف السيدين علي الميرغني زعيم حزب الشعب الديمقراطي وعبد الرحمن المهدي زعيم حزب الأمة، لتكوين حكومة عرفت بحكومة السيدين ترأسها السيد عبد الله خليل الذي سلم السلطة لاحقا للفريق إبراهيم عبود.
- التاسع من ديسمبر 1955 أعلن الزعيم الأزهري رئيس الوزراء من البرلمان استقلال السودان وتقرير مصيره الذاتي غير الإتحاد مع مصر وقد أصدر الزعيم الأزهري خطابين لبريطانيا ومصر أعلن فيه ذلك القرار وقد وافقه الطرفان على ذلك.
- في يوم 1/1/1956 قام الزعيم الأزهري رئيس الوزراء وبحضور محمد أحمد المحجوب زعيم الأغلبية برفع العلم
السوداني على سارية القصر الجمهوري وإنزال علم بريطانيا ومصر بعد ان جثما على القصر الجمهوري قرابة الخمسبن عاماً أو تزيد بداية استقلال السودان وعزته وكرامته. كرامته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد كان علم السودان يرفرف على سارية القصر رمزاً للسيادة الوطنية وقد أعلن للملأ سيطرة على مولد أسم جديد للسودان وكان المواطنون بشتى انتماءاتهم السياسية والعرقية والطائفية يحيطون بالقصر الجمهوري بملابسهم البيضاء ينظرون إلى علم بلادهم الجديد وهو يرتفع على سارية القصر الجمهوري، هذا وقد أحتفل الشعب السوداني بكل أقاليمه برفرفة العلم السوداني وتسجيل السودان كدولة مستقلة.
الحاشية:
- لا بد أن نشرح للأجيال التي أُخفي عنها تاريخ نضال الزعيم الأزهري أن نذكر موقفه من التمرد وما نتج عنها من مذبحة توريت الشهيرة. من المفارقات انه في يوم 18 أغسطس 1955 اثناء انعقاد مؤتمر صحافي لرئيس اول حكومة وطنية اسماعيل الازهري تحدث للصحافة العالمية في الخرطوم حول جلاء القوات البريطانية ورحيلها بالكامل عن السودان تلقى برقية عاجلة وموجزة تحمل اليه نبأ وقوع تمرد القوات العسكرية الجنوبية في مدينة توريت بمديرية الاستوائية، وسرعان ما أنهى رئيس الوزراء مؤتمره الصحافي بعد الاجابة على اسئلة المراسلين الاجانب الذين لم تفتهم اهمية المذكرة التي تلقاها رئيس الوزراء، إذ اتسمت ملامحه بالقلق الشديد حال اطلاعه عليها، وقد سأله احدهم عما اذا كانت هذه البرقية لها صلة بعملية الجلاء فرد عليه ب«لا»، فسأله هل تتكرم بكشفها؟ فرد «ليس الآن».
- ومنذ 18 أغسطس 1955، قضى السودان اياما عصيبة ومرهقة. وعندما استطاعت الحكومة الوطنية بقيادة الزعيم معالجة الموقف وتطويقه من المسؤولية وضبط النفس شكلت لجنة للتحقيق برئاسة قاض فلسطيني مشهود له بكفاءته ونزاهته هو توفيق قطران، قاضي المحكمة العليا، وبعضوية خليفة محجوب مدير عام مشاريع الاستوائية، والسلطان اوليك لادو زعيم قبيلة لبيريا (للتحقيق في الاضطربات المريبة في الجنوب ورفع تقرير عنها وعن الاسباب التي أدت الى حدوثها)، ومنحت اللجنة صلاحيات واسعة من الحكومة ليكون بمقدورها الحصول على كل ما تحاجه لتحديد الاسباب والعوامل التي اشعلت التمرد في توريت وامتدت الى كل اجزاء الاستوائية واجزاء اخرى في الجنوب. وفي 18 فبراير (شباط) 1956 فرغت اللجنة من اعداد تقريرها الشامل. ولكن التقرير لم ينشر بصورة كاملة آنذاك واكتفي بنشر بيان تناول خطوطا عريضة منه، ولعل استعراض جانب من هذا التقرير الشامل عن التمرد الدموي في الجنوب يكشف نوايا التمرد ويظهر الى أي مدى كانت قضية الجنوب معقدة.
- أفرد تقرير اللجنة القضائية فصلا من خلفيات السياسة البريطانية في جنوب السودان، وذلك من خلال الوثائق والمذكرات والمنشورات الادارية المتعلقة بها، ومنها المنشور الذي وجه الى مديري المديريات الجنوبية الثلاث: أعالي النيل، وبحر الغزال، والاستوائية في 25 يناير (كانون الثاني) 1930، وجاء فيه «ان سياسة الحكومة في جنوب السودان هي انشاء سلسلة من الوحدات القبلية او العرقية القائمة بذاتها على ان يكون قوام النظام فيها مرتكزا على العادات المحلية والتقاليد والمعتقدات بقدر ما تسمح ظروف العدالة والحكم الصالح».
- وتلا ذلك خطوط عامة توضح الاجراءات التي تتخذ لتنفيذ هذه السياسة، وقد شملت تلك الاجراءات امداد الجنوب بموظفين لا يتكلمون اللغة العربية من اداريين وكتبة وفنيين، كما شملت الرقابة على هجرة التجار من الشمال الى الجنوب، واستعمال اللغة الانجليزية عندما يكون التفاهم باللهجات المحلية مستحيلا وقد ترتب على تنفيذ هذه السياسة عمليا التالي:
1) نقل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون بالجنوب من اداريين وفنيين وكتبة للشمال.
2) حرمان التجار الشماليين الذين كانوا بالجنوب من رخص مزاولة تجارتهم.
3) اجلاء المسلمين الشماليين من مواطنهم وترحيلهم للشمال.
4) منع الديانة الاسلامية.
5) الغاء تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس.
- وقال التقرير ان المدى الذي اتبع في تطبيق هذه السياسة بلغ حدا صبيانيا، فقد هجرت قرية «كافيا كنجي» (مديرية بحر الغزال) واعتبرت منطقة حرام بين دارفور وبحر الغزال لمنع اختلاط العرب والزنوج ومنع التخاطب باللغة العربية وأرغم من كانوا يسمون بأسماء عربية لعدة اجيال على تغيير اسمائهم.
- وتناول التقرير القضائي كيفية وقوع التمرد، فقال انه في مطلع اغسطس 1955 بدأت القوات البريطانية في الجلاء عن السودان وقررت الحكومة الوطنية الاحتفال بهذه المناسبة وأرسلت برقية الى قيادة الجيش في الجنوب تطلب فيها ارسال فرقة عسكرية للمشاركة في العرض العسكري الخاص باحتفالات الجلاء في الخرطوم، ولكن جنود القيادة في توريت رتبوا خطة لقتل كل الضباط الشماليين على ان يتم ذلك بمعاونة القوات الجنوبية وبعث اشارات باللهجات المحلية تبين خطته للتمرد. وتضاربت مواقف الجنوبيين من الخطة فوقع التمرد في الساعة السابعة والنصف من 18 أغسطس 1955، حيث كان مفترضا ان تتحرك الفرقة الجنوبية في ذلك الصباح للسفر الى الخرطوم للاشتراك في الاحتفالات بجلاء القوات الاجنبية عن السودان، وبدأ التمرد بكسر المخازن والاستيلاء على الاسلحة والذخيرة واندلعت الاضطرابات في «توريت» والمديرية الاستوائية، وتأثرت بها كل المدن والقرى وسادت حالة من الفوضى العامة وانهار النظام لمدة اربعة عشر يوما فتعطلت الخدمات العامة، وقطعت طرق المواصلات واغلقت دواوين الحكومة، وفي يوم 20 اغسطس 1955 اعلنت حالة الطوارئ في المديريات الجنوبية الثلاث فكانت للفوضى والتمرد اليد العليا في القتال لمدة اسبوعين، وقد كان هجومها على أرواح وممتلكات الشماليين دون سواهم، وارتكبت جرائم القتل وحرق المنازل والممتلكات والنهب والسلب، وقد اشترك في ارتكاب هذه الجرائم الجنود ورجال الشرطة والسجانة والاهالي الجنوبيون. وبلغ عدد القتلى من الشماليين 336 قتيلا معظمهم كانوا موظفين واداريين وفنيين وزراعيين ومعلمين. وقال التقرير انه لا يمكن فهم اسباب الاضطرابات دون ادراك ابعاد النقاط التالية:
- أولا: ان الامور المشتركة بين الشماليين والجنوبيين قليلة جدا، فالشماليون عرب والجنوبيون وثنيون، من ناحية اللغة يتكلم الشماليون العربية بينما يستخدم الجنوبيون لغات يقارب عددها ال80 لغة محلية، وهذا بخلاف التفاوتات الجغرافية والتاريخية والثقافية في ما بينهم.
- ثانيا: ولأسباب تاريخية يعتبر الجنوبيون الشماليين اعداءهم التقليديين.
- ثالثا: كانت السياسة الادارية البريطانية تتوخى حتى عام 1947 ان يترك الجنوبيون على حالهم ليتقدموا على النمط الافريقي الزنجي.
- رابعا: بسبب عوامل سياسية ومالية وجغرافية واقتصادية تقدم السودان الشمالي تقدما سريعا في كل الميادين فيما كان الجنوب يزداد تخلفا.
- خامسا: كل العوامل مجتمعة لم تولد في الجنوبيين احساسا برابط قومي مشترك مع الشماليين او حتى شعورا وطنيا وتعلقا بالسودان كوطن واحد وظل ولاء الجنوبي العادي منحصرا في نطاق ضيق. وقال التقرير ان احد العوامل التي عجلت بالتمرد استخدام برقية كاذبة منسوبة الى رئيس وزراء السودان اسماعيل الازهري قيل انها وجهت لجميع رجال الادارة في المديريات الجنوبية تقول: لقد وقعت الآن على وثيقة لتقرير المصير، لا تستمعوا لتقارير الجنوبيين الصبيانية، اضطهدوهم وضايقوهم وعاملوهم معاملة سيئة بناء على تعليماتي وكل اداري يفشل في تنفيذ اوامري هذه سيكون عرضة للمحاكمة. واورد التقرير البرقيات ورسائل من المتمردين ثم اجراء الحكومة لتطويق الموقف واتصالاتها ورسائلها الى المتمردين، كما اشار التقرير الى عدم اتخاذ اجراءات ما عند اكتشاف مؤشرات المؤامرة وإلى سوء تقدير الموقف وايضا الى عدم الالتفات الى مذكرات بعض الاداريين (مذكرة مدير اعالي النيل) والاخذ بها. كما تناول التقرير الوعود المبذولة ابان الحملة الانتخابية لاول برلمان سوداني، وايضا وعود الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو (تموز) عند زيارته للمديريات الجنوبية، مما ترتب عليه خيبة امل الجنوبيين وقلقهم الشديد تجاه تنفيذ عملية السودنة، اي احلال السودانيين الشماليين في وظائف البريطانيين، وما افرزه ذلك من تخوف من السيطرة السياسية عليهم.
- سيادة الشائعات الكاذبة وقال تقرير القاضي قطران «لقد استرعى انتباهنا طوال سماعنا للشهادات في هذا التحقيق، حقيقة الفقدان التام لوجود وسائل للدعاية الحكومية بجنوب السودان، ونجم عن ذلك ان الاشاعات لكاذبة تتناقلها الالسن دون ان تكون هنالك وسائل لتهدئة المخاوف وازالة سوء الفهم وقد ظلت الاخبار الكاذبة تنشر دون القيام حتى بمحاولة لدحضها على اقل تقدير، وعندما يكثر تناقل كذبة فانه كنتيجة لتكرارها يجوز ان يصدقها الناس في المجموعات البدائية المتخلفة ويعدوها حقيقة حازمة، ويبدو ان الاذاعة في هذا القطر موجهة لفائدة الشماليين وحدهم. وقال التقرير من خلال تناوله للعوامل التي ولدت شعورا سيئا لدى الجنوبيين «انه مما ساعد في تحطيم الثقة عند الجنوبيين ان بعض الشماليين حاولوا ان يغيروا عادة ترى ان تغييرها يحتاج لعدد من السنين ونقصد بذلك عادة العري، ان ما تعتبره اغلبية الجنس البشري عادة مخجلة يظنه الجنوبيون على العكس، باعتبار اساس الرجولة».
- واشار تقرير القاضي قطران الى واقعة قائد الوحدة العسكرية في كبويتا، حيث اصدر اوامره بأنه غير مسموح للجنود ان يرقصوا عراة رغم ان القبائل ظلت تمارس العري قرونا طويلة، فلم تطع اوامره واستدعى الجندي المسؤول عن الرقص، وفصله من خدمة الجيش في الحال ثم اعيد للخدمة، ولكن بعد ان احدث قرار الفصل اثره السيئ في النفوس.
- هذا التقرير اعدته لجنة قضائية برئاسة قاضي شهد له بالكفاءة للتحري في احداث التمرد الدموي 18 اغسطس 1955 والذي وصف بأنه اول تطهير عرقي حسب مفاهيم مواثيق الامم المتحدة، لاستهدافه مواطنين شماليين ومعلمين وزراعيين وضباطا وجنودا وتجارا، وبلغ عددهم اكثر من الثلاثمائة مواطن، هل يحتاج السودانيون وبعد احداث الاثنين الاسود اول اغسطس يوم أن قضى جون قرنق في حادث المروحية الرئاسية الأوغندية.
الهامش:
- قالت حواء جاه الرسول التي اشتهرت (بالطقطاقة) في معرض سيرتها وهي أتت على ذكر الزعيم ورجاله الأمجاد: (ضمن جموع الرجال الذين يخرجون في المظاهرة فخرجت وفي احدي المظاهرات هتفت يسقط القائد العام وكان بجواري القائد الانجليزي مستر دوين فلكمني بيده اسقط من فمي ثماني اسنان اذكر ان وفدا من الخريجين بقيادة اسماعيل الازهري وخضر حمد والدرديري ومبارك زروق وابراهيم جبريل واحمد خير المحامي قرروا السفر لمصر لمقابلة الملك فاروق فسبقتهم إلى هناك!!)
المصادر:
. وثائق الحزب الوطني الاتحادي - وثيقة اعادة تأسيس الحزب - 1986م
. محمد أبوالقاسم حاج حمد - السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل - الطبعة الثانية بيروت
ندوة الحركة الإتحادية بين الأمس واليوم، تقديم القيادي الاتحادي د.هاني أبوالقاسم محمد - باكستان - حيدرأباد - دار اتحاد الطلاب السودانيين - باكستان 2005م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.