عندما يسير القطار بسرعة راتبة ولمسافة طويلة، فإن الركاب ينامون حتى إذا سقطت شنطة أو (بُقْجة) من الرفوف فتح بعضهم أعينه بصعوبة لبضع ثواني وربما استوعب الأمر أو لم يستوعبه لكنه فقط علم أن ليس هناك خطر داهم ثم واصل النوم اللذيذ. أما اذا توقف القطار فجأة وتساقط ما على الرفوف واصطدم كل راكب بمسند (الكنبة) التي أمامه، طار النوم من أعينهم جميعاً وصحوا، لكنهم لا يعرفون إلى أين وصلوا، وماذا حدث إلا بعد حين وإذا كان الحادث (محترماً) ربما ذهب كلهم أو جلهم بلا رجعة. سردت هذا المثال لأقول لأنصار الزمن الجميل إنكم استمرأتم الرقابة، والدنيا تتطور من حولكم حتى تفاجأتم بعالم جديد وأجيال جديدة هي داخل بي وتكم ولا تنتمي إليكم!!! لذلك أنتم ساخطون عليهم..! وعلى الزمن الذي خرج من رتابته أو بالأصح من رتابتكم فاصبحتم فيه أغراباً. أنتم تحنون لبرنامج يبدأ السابعة صباحاً بالخروج إلى العمل وروتين في العمل حتى الثانية ظهراً ثم عودة يحمل فيها أحدكم أكياس الرغيف والسلطة ويتأبط جريدة الصحافة أو الأيام أو الرأي العام أو غيرها من الصحف وكل شهر مجلة العربي ورحم الله (زكي يماني) ثم القيلولة ثم الغداء ثم الشاي وعلبة البنسون أو البرنجي في ظل العصر والاطلاع على الصحف أو الذهاب إلى ملعب الليق أو الرابطة ثم الدخول إلى السينما في الدور الأول ومشاهدة فاتن حمامة والإستماع لصوتها الذي يحمل الأنوثة والانكسار ويسهم بقدر كبير في سر تفوقها على بنات جيلها من الممثلات. وأما الدور الثاني لنفس الفيلم فهو لأبناء صاحب الزمن الجميل المتبطلين عن العمل لغير سبب وبجانبهم الشماسة..! ويسهر باقي المدينة في الحفلات رقصاً أو في الأندية لعباً بالورق أو (الضُّمنة). الزمن اليوم لا يقبل مثل هذا الروتين، فقد أصبح لكل صُبح جديد (ريزم) مختلف وأصبح كل يوم يمثل (كوبلي) تختلف موسيقاه وشعره وأداؤه عن سابقه فبدلاً من أن ننصح جيل هذا الزمان بأن يجعلوا رابطاً بين هذه الإصباحات المختلفة، وذلك الرابط هو الهدف والبرمجة للوصول إليه صنعنا مأتماً وعويلاً على (الزمن الجميل) وحاولنا إجبارهم على البكاء معنا فلا هم عاشوا الزمن الجميل معنا، ولا تركناهم يعيشون زمانهم (غير الجميل). ما دفعني للكتابة مرة أخرى عن (الزمن الجميل) هو تهديد بلغني مباشرة من الأخ الصديق مؤمن الغالي بأن (يرشني) في عموده في نفس هذه الصفحة لأنني تجرأت على (الزمن الجميل) ولكن وفاة الشاعر الشفيف محجوب شريف رحمه الله حولت مسار مقاله بالأمس. ü وتهديد آخر من الصديق القديم (الاتحادي) الصميم عبيد أحمد عبيد الذي توعدني هو الآخر عبر الهاتف أن يرد (للزمن الجميل) حقه الذي تطاول قلمي عليه وأنا منتظر.. (وأقابلكم في زمن ماشي وزمن جايي وزمن لسه).