الحوار الشعبي الشامل تحدثنا كثيراً عن شرعية الوطني عبر الانتخابات التي انقضت وهي تطوي بين جناحيها الكثير من الجدل حول (نزاهتها) واستقر بنا المقام شئنا أم أبينا بأن هذا الحزب هو الحاكم المتربع على ناصية الحكم وبسم الشرعية والديموقراطية!! ولكن ليس هذا هو مربط فرسنا الآن فما أود أن أرمي إليه هذه المرة هو أبعد من الشرعية أو تلك النزاهة.. فتطور الأحداث ما بين ثورة الإنقاذ الوطني كقوة حكمت بالسلاح.. وحزب المؤتمر الوطني المنتخب بالأغلبية الساحقة.. كانت هناك محطات كثيرة مثيرة ساخنة جداً ومتلاحقة وفي حالة تطور خطير، أضحى مهدداً حقيقياً لوجود القطر السوداني وبمساحته الأصلية المليونية لا تنقص شبراً، وشعبه الموحد في هويته الجلابية والتوب السوداني الأصيل المتنوع قبلياً وعرقياً اليوم.. وثقها التاريخ!! أجد أنه من الأمانة بمكان أن نمر عليها سرداً لأخلص بكم سادتي لما يجب أن نعيه هذه المرة، لكي لا نلدغ نحن هذه المرة وليس الحزب الحاكم، وكنت قد كتبت عنها في قراءات ورؤى وتحليلات لما وراء تلك الأحداث عبر هذه النافذة (آخر لحظة) كانت أقرب الى التنبوءات فتلك الأحداث بدأت متسلسلة كناتج لانفصال الجنوب عن (اتفاقية السلام) مروراً بترسيم الحدود في أبيي (الدينكا والمسيرية) ذلك المزيج الذي يصعب تحديد هويته خارج إطار السودان الموحد، ثم أحداث مناطق النيل الأزرق، وشمال كردفان، ودارفور، وأحداث تمرد الحلو، التي كان في أعقابها تمرد عقار، وانتهاء بأحداث هجليج وأبو كرشولا مضافاً إليها تلك الضربات الخارجية المتعددة لشرق السودان وقبلها مصانع الشفاء الدوائية ومصانع الذخيرة بالشجرة، وهجمات خليل المدعومة ضد أهالي أرض البقعة أم درمان..الخ.. وما خفي كان أدهي وأمر.. أجد أن الحزب الحاكم قد أخفق في كثير من سياسته الداخلية والخارجية عبر الكيفية الصحيحة لإدارة شؤون الحكم ولم يستطع أن يلعب الدور الجوهري الصحيح في تفعيله لتلك الشرعية سواء أن كان قد نالها بنزاهة.. أولاً فالشرعية ليست كتاب منزل فهناك أشياء أهم من الشرعية إذا ما وجدت قد تغني الرعية عن الحاجة للنظر في أو المحاسبة أو الإصرار على إبداء صك الشرعية، وذلك هو الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمن والسلم الداخلي والدولي.. فالعدل أساس الحكم والأمن والسلم جناحيهو، والقيام بمسؤولية الحكم مسؤولية تامة أمام الرعية هي الضمان الحقيقي لإستدامة الحكم.. (فكلكم راع) ففي الدول صاحبة الخبرة في الديموقراطية نجدها لا تتكئ كثيراً على شرعيتها ولا تكون هي المقياس عندها لاستدامتها في الحكم، وذلك إذا ما تلاعبت بمصالح العباد.. هنا فقط تسقط الشرعية، بل ويسحب الشعب ثقته عنها وفي الأغلب تستقيل الحكومة من نفسها أوالوزير وهنا يظهر أدب الاستقالة واضحاً، وهذا هو المقياس الحقيقي للشرعية وليس صناديق الاقتراع، وهذا يقودني لأن اذكر من باب الأولوية خطبة خلافة سيدي أبوبكر الصديق الرشيدة، حيث كان قد قال ..«أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم.. فإذا أحسنت فأعينوني.. وإذا أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله فيكم.. فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم .. إلا أن أقواكم عندي الضعيف حتي آخذ الحق منه وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق له..» ولكن يبدو أن الحزب الحاكم لم يعِ إلا تلك الجزئية من هذا النص في سفر فن إدارة الحكم الديمقراطي الرشيد، وأضحى (يهش بها على غنم الأحزاب الأخرى) ليحيدهم عن المشاركة الديموقراطية ليحتويها وحده.. فقد تعتري البلد والرعية مهددات جذرية وهذا ما نحن عليه الآن مما دفع السيد رئيس جمهورية البلاد أن يتجاوز مفاهيم حزبه باستئثارهم بشرعيتهم، خطوة أحسبها الموفقة والأصح في إنقاذ حقيقي لما تبقى من هذا البلد العظيم، وذلك عبر إحياء مبادرة الحوار الشعبي الشامل، وذلك في اتجاه الدفع الإيجابي لهذا البلد (شعبا وحكومة ومعارضة وحركات)فإذا كان إصلاح البلد يتطلب التنازل عن تلك الشرعية المزعومة فليكن، وإذا كان لهذا الحزب الحاكم قواعد قوية كما يزعم فليقبل بالنزول مرة أخرى ضمن الأحزاب وقبول حكومة انتقالية ترعاها لجنة حكماء الحوار، تقوم بوضع الدستور وترعى الانتخابات القادمة، ولينزل الحزب الحاكم بثقله السياسي ولنرى هل ستحضره مرة أخرى.. سادتي الإصلاح أضحي الآن هو رغبة أهل السودان، وشرعية الوطني أثبتت إنها ليست هي من ستنقذ الوطن.. وعليه لابد للجميع الآن (حكومة ومعارضة وحركات ...الخ) الاستجابة لإرادة الوطن، فالوطن ليس سلعة ليتفاوض حولها من يشترطه ليقبل الحوار، عندها على الدنيا السلام، والوطن ليس هو من نساوم عليه أجد إننا يجب أن نضع الوطن أولاً، فالوطن هو الأم ولا مصالح أمام الوطن فهو خط أحمر يجب أن نعي هذا قبل أن نقرر الدخول في حوار جاد وأن نرسخ أواصر الثقة بين الأطراف المتحاورة ويجب أن توضع الحلول مناصفة بين الطرفين وأن يؤدي الجميع القسم أمام الوطن فما أراه بصدق هو أن هناك أزمة ثقة كبيرة جداً وهي من ستنسف هذه المبادرة جملة وتفصيلا، فالوطن يحتاج منا جميعاً الى سلسة من التنازلات غير المشروطة وضمانات مؤكدة من الحزب الحاكم تبعث على ترسيخ أواصر الثقة فماذا أنتم فاعلون؟