رفدتني هيئة الخرطوم للصحافة والنشر - مشكورة- بحزمة من إصداراتها، ممثلة في مجلة «الخرطومالجديدة» الشهرية و«أوراق جديدة» الثقافية و«سمسمة» نصف الشهرية للأطفال، وجميعها مطبوعات أنيقة، يستحق الجهد المبذول في تحريرها وإخراجها وطباعتها الثناء والتقريظ. لكننا في هذه الزاوية نضيء على أهم القضايا والموضوعات التي حملتها(الخرطومالجديدة)، التي تصدر تحت شعار مهني طريف ولطيف «كلمة لليوم.. وصوت للغد» توخياً للموضوعية، حيث يوحي الجزء الأول منه(كلمة لليوم)بالمناصحة، بينما يعني الجزء الثاني(صوت للغد)القراءة المستقبلية المستبصرة لوطن مازالت أقداره معلقة في الغيب وحالة الانتظار. «الخرطومالجديدة» حفلت في عددها من شهر سبتمبر بالعديد من القضايا والملفات والكتابات المهمة التي تستحق لفت النظر، في بلد لاتزال صناعة المجلة فيه متعثرة - أسبوعية أو شهرية أو فصلية- وهو تعثر يستحق النظر والمراجعة في ضوء تكاثر الصحف اليومية السيارة، التي لا تعوِّض على كثرتها عن الحاجة الماثلة «للمجلة» التي تتعالى على اللهث والعجلة التي هي طابع الجريدة اليومية. وقد خصصت «الخرطومالجديدة» موضوع غلافها الرئيس لإستراتيجية دارفور الجديدة، وزيَّنت غلافها بصورة لمصافحة بين مصمم الإستراتيجية د. غازي صلاح الدين المستشار الرئاسي والقابض على ملف دارفور وسكوت غرايشن المبعوث الأمريكي، وبينهما أحد المبعوثين الدوليين بشأن دارفور. وجاء موضوع الغلاف الذي يحمل عنوان «إستراتيجية دارفور: الفرصة الأخيرة» على شكل «تحقيق» يحمل وجهات النظر المختلفة حول نجاعة الإستراتيجية الجديدة ، الهادفة «لتوطين» المسألة الدارفورية عبر نشر الأمن وتحقيق سلام شامل وتنمية مستدامة، وهي كما يرى واضعها. د. غازي لا «تقصي أحداً عن المشاركة في سلام واستقرار دارفور، لكنها لا ترهن نشاطاً إنسانياً لحركات ربما تأتي أو لا تأتي، وتزاوج بين عناصر متوازنة للحصول على معالجة شاملة لا رجعة فيها، وهي قابلة للمراجعة وتستوعب كافة المتغيرات، وتخاطب الشركاء المحليين والدوليين لتوفير أموال إعادة التوطين والتنمية والإعمار». ويوضح التحقيق في الوقت ذاته أن جل الحركات الدارفورية المسلحة أعلنت رفضها للإستراتيجية الجديدة، حيث طالب المتحدث باسم حركة العدل والمساواة أحمد حسين آدم الحكومة بمراجعة موقفها من الدعوة لما يسمى «السلام من الداخل قبل فوات الأوان». بينما رأت فيها حركة التحرير والعدالة، التي تفاوض الحكومة في الدوحة، «مؤامرة لتصفية ثورة الإقيلم والمناطق المهمشة، وتدشيناً جديداً لتنفيذ الإبادة الجماعية الثانية»، مثلما رفضتها حركة تحرير السودان بقيادة أركو مناوي الموقعة على اتفاقية أبوجا، واعتبرتها مثل غيرها من المبادرات الحكومية الفاشلة. من موضوعات الغلاف - الذي حمل أكثر من موضوع - حوار معمق مع د. لوكا بيونق وزير شؤون رئاسة الوزراء والعضو القيادي في الحركة الشعبية، تناول موضوع الساعة «الاستفتاء على تقرير المصير للجنوب» وأبرزت «الخرطومالجديدة» قوله:«منافق من يحمِّل الشريكين مسؤولية الانفصال»، وإن «ما يحدث للعملة الصعبة يؤكد استعداد الشمال للحرب»، كما تناول الحوار قضية أبيي باعتبار أن د. بيونق هو من أبناء المنطقة وابن ناظر دينكا- أنقوك التاريخي دينق مجوك، وأكد لمحاورته الإصرار على بلوغ حل سلمي لأزمة أبيي مهما تكن التعقيدات التي تكتنف القضية. كتابات عديدة زخر بها عدد المجلة الثامن والثمانين، تناولت قضية الساعة - الاستفتاء على تقرير المصير للجنوب وأبيي- منها قراءة في الآثار والمخاطر..وماذا يعني قيام دولة في الجنوب بقلم الأستاذ خالد موسى دفع الله، و«أبيي عقبات متجددة» تقرير بقلم الصحافية مزدلفة محمد عثمان، وتقرير آخر عن «ديوان السودان الخارجية» في حال انفصال الجنوب كتعقيد إضافي في إطار «الملف الاقتصادي» كتبه الصحافي مجاهد بشير، وهو الملف الذي حوى أيضاً تحقيقاً عن أزمة العملة الصعبة، تحت عنوان «البنك المركزي: الدولار .. صراع دائم» استنطقت فيه الخرطومالجديدة عدداً من الخبراء الاقتصاديين وأساتذة الاقتصاد وإدارة الأعمال الجامعيين، وأضاء على قرارات البنك المركزي الأخيرة بصرف احتياجات المسافرين من النقد الأجنبي من خلال نوافذ الصرافات بالمطار للحد من نشاط السماسرة وتجار العملة، ورفع الاحتياطي النقدي القانوني للمصارف بالعملتين المحلية والأجنبية إلى11 في المائة بدلاً عن 8 في المائة بهدف تحجيم السيولة في الأسواق. كما تضمن العدد في ملفه السياسي حواراً مقروءً، أجراه رئيس التحرير الطاهر حسن التوم مع البروفسير علي شمو الوزير السابق والإعلامي المرموق رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ، تضمن إفادات لا تخلو من جدة وطرافة، أعلن فيه شمو أنه ليس في «تجربته السياسية ما يستحق الاعتذار»، وأن «إيمانه بالديمقراطية لا يعني عدم التعاون مع الشمولية..!». وشمل العدد كذلك مقالات لكتاب راتبين منها «المقال المسلسل» للدكتور عبد الله علي إبراهيم، تحت عنوان «أذناب الاستعمار: التاريخ ومراجعة التاريخ» الذي بلغ الحلقة الثالثة والخمسين، والدكتور الصادق الفقيه وعلي يسن ومحي الدين الفاتح محي الدين وعبد المحمود الكرنكي ومحمد محمد نور والسر سيد أحمد وغسان علي عثمان. كما تضمنت ترجمات واستعراض لكتب من مثل كتاب «المؤامرات الدولية على السودان» لجمال الشريف و«إعلان الناصر» للدكتور لأم أكول و«قصة سوداني في قلب الموساد».. «الخرطومالجديدة» في عددها الجديد حافلة أيضاً بالقضايا الاجتماعية والثقافية والسير الذاتية .. وتستحق القراءة المتأنية.