واليوم نأخذكم إلى بطن التأريخ.. سياحة مدهشة في أحشائه.. نقف في محطة «عمورية» تلك التي لن تتكرر أبداً إلا في خيال ..الواهمين ..الحالمين في يقظة وهم يمنّون النفس بسيادة «العالم أجمع» أولئك الذين «قرقروا» رؤوسنا.. بأناشيدهم الحماسية.. ماتركوا دقيقة واحدة في الإذاعة أو«الشاشة» وإلا كان الهدير «نأكل مما نزرع»... وها نحن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. وهل هناك مكروه أكثر من «هؤلاء» ها نحن نستورد «التوم» من دولة الملاحدة في «الصين الجديدة» بلد «ماو» حيث الألوان الحمراء والدماء الحمراء والشيوعية الحمراء.. نستورد وقد استوردنا بالفعل «البيض» من أرض غاندي أرض طاغور المغني وعذراً أستاذي الصديق.. تاج السر الحسن فقد كنا نستورد أيامها من بلاد «التاج محل».. حكمة ..نهرو.. ومثالية وعبقرية «غاندي» وتبلغ بنا المهانة .. بل تتجرأ «سكين ميتة» لتمزق صفحة تلك الأنشودة الحالمة «نلبس مما نصنع» فها نحن نستورد «الدمورية» من سوريا.. ويا لفداحة الجراح.. وسخرية ومسخرة الأيام ..والسودان كان في زمن بهيج.. ديمقراطي.. رحيب.. أو حتى وهو يئن تحت أحذية الاستعمار الثنائي.. كان.. يباهي.. يفاخر.. يزهو.. ويزدهي بأكبر مشروع زراعي وتحديداً لزراعة القطن.. في كل أنحاء الشرق الأوسط في كل أرجاء أفريقيا وها نحن نغني مع السني الضوي.. ديك كانت أيام جميلة.. راحت ولت يا حليله.. تعال نبنيها تاني عشرة تدوم سنين وتبلغ السكين مغروزة في أحشائنا حتى النصل ونحن نستورد «الطواقي» من بكين.. بالله عليكم كيف تواجهون أنفسكم اليوم إذا استمعتم لذاك النشيد.. وهل نتوقع أن تسيل من أجسادكم أنهر من عرق الخجل... «طيب كل هذا «كوم».. أما الذي ينحر الفؤاد ويفرم الكبد هو تلك التهديدات العلنية وهي تزحم الفضاء.. وفناء الدنيا.. بأن أمريكا وروسيا قد دنا عذابها.. صحيح أننا كنا على أيامها تلك نسخر من تلك الأحلام والأوهام ونضحك ولكن «بالدس» من تلك «الهراشات» «بالدس» لأن البنادق كانت في السماء والمجنزرات تشق شوارع الأسفلت.. وصباح مساء.. كان ذاك يبشرنا بالخازوق ويتحدانا بأن «نطلع» معاه ليس وراء الجبل.. بل في «الخلاء» وها نحن نعاني في عاصمة البلاد وشوارعها.. وكيف أن عربات ال «un» تحبل بشكل لا شرعي في الطرقات.. وهاهي العلاقة مع أمريكا.. صارت كما يقول.. أو يغني صلاح مصطفى.. «وتبقى الصداقة قرابة ونكسب الودين» أما روسيا التي لا أدري ماذا فعلت لكم حتى يدنو عذابها.. أم كان جنوناً.. عبقرياً ..المهم ها هي روسيا ..هي الأمل والرجاء أن تكبح بالفيتو أو التهديد.. تكبح جموح أي قرارفي مجلس الأمن ضد السودان. يا إلهي لقد سرحت بعيداً عن هدفي ولكن ألا تجدون لي العذر وأنا أعود بالذكرى إلى تلك الأيام.. الأيام الأولى من إعصار الإنقاذ.. المحتشدة بالرعب والخوف.. والآمال المستحيلة.. المهم ..أعود مرة أخرى إلى بطن التاريخ.. وأصافح ذاك المبدع «أبو تمام» وهو يتلو أمامي وأنا استضيفه في «صالون» بيتي .. رائعته.. بل ملحمته «فتح عمورية» لنجلس سوياً على سجادة عجمية و«المعتصم» يتوهط مزهواً.. كرسي الإمارة يكاد ينفجر فرحاً وأبو تمام ينشد.. السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.. بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب ويبتسم ويهز المعتصم يتذكر صيحة تلك المرأة التي مزقت الفضاء لتصك أذنيه وهي تصرخ وامعتصماه فكان الحريق لعمورية والانتصار لامرأة مسلمة وها أنا أصرخ واإسلاماه.. لأفسر غداً.. ولا بحر في بحر دموعكم «بكرة» لتصبحوا على خير لنشرب قهوة الصباح سوياً.