للمرة الثانية تحاول حركة الإصلاح الآن أن تظهر في الساحة السياسية وأمام الرأي العام بشكل مغاير، بخلاف ماهو متوقع لها أو بحسب الصورة التي تبدو عنها في مخيلة الكثيرين، لجهة أن الحركة خرجت من رحم المؤتمر الوطني، بل أن قياداتها هم قيادات أصيلة في الحركة الإسلامية أمثال حسن عثمان رزق، وغازي صلاح الدين، ود. أسامه علي توفيق-المجاهد الدباب- الذي يعرف الدولة الجنوبية بيتاً بيتاً و(زنقة زنقة)، ولذلك كان طبيعياً والحركة ترفع شعار وطن يسع الجميع أن تدشن مؤتمرها التأسيسي أمس بأغنيات وأهازيج للفنان محمد وردي، وليس قيقم أو ثنائي الصحوة، وقبلها عند بروز الحركة رسميا لأول مرة دشنت ظهورها بأغنيات الفنان الراحل مصطفي سيد أحمد، وقد لا يكون زعيمها غازي صلاح الدين الذي تم انتخابه رئيساً بالأمس استمع اليه من قبل أو يحفظ له سراً أغنية واحدة. وحتى بعض الشباب الذين استعان بهم الحزب في التنظيم والتأمين بعضهم كان مجارياً لموضة الشباب من (تطويل للشعر وربطه ب( بانده) وإرتداء بنطال ( كباية)، وهو الضيق عند القدم.. بل وحتى غازي في كلمته استعاض بكلمات (السيدات والسادة) بدلاً عن الإخوه والاخوات). - ولكن مع ذلك ثمة قاسم مشترك بين الحركة والوطني لجهة أن مؤتمر الإصلاحيين التأسيسي بالأمس شهد ترتيباً غير مسبوق، وتنظيماً دقيقاً، مما دل على توفر المال لدى الحركة، وهو مايفتح الباب أمام مصدر تلك الأموال. خاصة وأن زعيم الإصلاحيين في كلمته وضع وفرة الموارد المادية من ضمن أربعة ركائز تجعل أي جماعة أو فئة تدعو لتحولات إيجابية في المجتمعات ذات قوة وفاعلية، بل نوه عازياً الى عدم الإستهانة بمسألة الموارد ودعا لاتخاذ كل السبل الشريفة والنظيفة لتوفيرها.. والثلاث الأخريات هي نفوذ الفكرة، فاعلية التنظيم وقوة التحالفات. - أعلن الإصلاحيون بالأمس عن ميلاد حركتهم وهتفوا بغير التهليل والتكبير ورددوا (إصلاحيون قادمون قادمون) و(بالإصلاح طريقك صاح)، وأعلنوا أنهم حركة ضد كل فساد ومفسد، وأنهم حركة إصلاح الآن وليس غداً مشيرين الى أن أربعة أزمات تمسك بتلابيب البلاد، وهي أزمة أمن، واستقرار،اقتصاد ومعاش، علاقات خارجية، وحكم ونظام سياسي. - مسائل كثيرة حاولت من خلالها الحركة أن ترسم لنفسها خطاً ونهجاً جديدين بعيداً عن الأصل الذي اشتقت منه وهو المؤتمر الوطني، حيث كان الناظر للصفوف الأولي يلحظ ذات الوجوة التي كانت في السلطة والحكم أمثال الوزيرين السابقين حسن رزق، وصلاح الدين كرار، ونائب الوالي السابق محمد بشير سليمان، حتى مقدم البرنامج القيادي بالحركة المعتمد الأسبق د. فضل الله أحمد عبد الله. وقد قال غازي في كلمته إن الحركة تيار ليس هو اسقاط إيدلوجي على الواقع، بل تفاعل حي معه توخياً للموقف الأصوب، وقال إن الإصلاح ليست حركة حزبية ولا طائفية، ولا تقبل بالتمحور حول الأشخاص، ولا ترهن نفسها للقيادة الفردانية. - حديث غازي الصريح عن الفردانية مدخل مناسب للإشارة الى التحديات الى استجابة الحركة مستقبلاً، فهي عقدت مؤتمرها التأسيسي وأبرزت عضلاتها، وأكدت أنها مثلها مثل الكبار و(مفيش حد أحسن من حد) واكتسبت شرعية كاملة غير منقوصة بحضور مسجل الأحزاب وضيوفها من الأحزاب وأعضاء السلك الدبلوماسي، ولكن من أبرز تحديات الحركة أولاً : بداية من شعار مؤتمرها (وطن يسع الجميع) إذ لا تزال الحركة متهمة كونها صفوية بداية من رئيسها غازي العتباني، رغم أنها حاولت الإنفتاح على الولايات وزارت القضارف وشمال كردفان.. ثانياً : مسألة التمحور حول الأشخاص والرهن للقيادة الإنفرادية، فالحركة حتى الآن تدور في فلك د. غازي- هكذا تردد المجالس- وإن كانت هناك علامات لذلك منها أن الإجتماعات الأولى عقدت بمنزله وكأنها رسالة من غازي لخصومة في المؤتمر الوطني. ثالثاً: تجاوز الحركة للخصومة الفاجرة مع المؤتمر الوطني إذ لم تغادر هذه المحطة حتى الآن من خلال تصريحات قياداتها المتكررة، وكأنما انضمامهم جاء كردة فعل ومغاضبة جراء خروجهم من الوطني أو إقالتهم من منصب. - رابعاً: إمكانية الحركة عقد تحالفات وهي إحدى الركائز التي أشار اليها غازي في خطابه، مع أن الحركة طرقت أبواب البعض، ومع ذلك لم تنل ثقة كثيرين منهم، خاصة أحزاب المعارضة ناهيك عن الحركات المسلحة وقطاع الشمال، ولعله لذلك اعتبر غازي مشاركته على هامش مفاوضات (المنطقتين) باديس ابابا بأنها جاءت من باب صداقته بالوسيط ثامبو مبيكي، ولذلك انتقده رئيس تحرير الغراء (السوداني) ضياء الدين بلال عندما كتب أمس: ( غازي مفيد للتفاوض كخبير وطني إذا تعامل مع الأمر بعيداً عن مرارات الإنقسام الأخير). خامساً: تجاوز الحركة لحالة الإرتباك التي وضحت عليها عقب دخول المؤتمر الشعبي في الحوار الوطني والحركة هي أيضاً جزء منه.. لكن تقارب الشعبي مع الوطني تلى الإصلاح الذي أجراه الحزب الحاكم في صفوفه، وهو مالم يكن في حسبان الإصلاحيين. - ومهما يكن من أمر عبرت الحركة الى البر الآخر حيث الأحزاب المسجلة وأعلنت استعدادها التام للانتخابات لكن المتفق حوله أن الإصلاح يحتاج لمصلحين، وغازي يعلن لأنصاره من كان معنا للتجريب أو لمحض الانتفاع فليتأخر، بل يغادر ولعل رسالة غازي وصلت.