سعدت مطلع هذا القرن أن قضيت ثمانية أعوام بمدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، فعندما صدر كشق تنقلات الضباط الإداريين في ذلك العام، وجدت نفسي منقولاً من الولاية الشمالية الى شمال كردفان، ولأن النقلة كانت بعيدة بعيون البعض، فقد أردت أن أتأكد بنفسي من الأحوال هناك، سافرت وقضيت سبعة أيام تفقدت فيها المدينة وأحوالها، وقد كان الجو خريفاً فعدت منبهراً وكتبت مقالاً بصحيفة الرأي العام بعنوان (الأبيض خارج ضوء الشمس)، وحقيقة كانت أياماً مذهلة لم أشهد فيها الشمس لعدة أيام وقلت إن ذلك ذكرني بمناخ الدنمارك، والتي كنت قد سافرت لها ضمن وفد الولاية الشمالية في مأمورية مرتبطة بمشروع كهرباء الولاية، وقد قررت بعد عودتي أن أشد الرحال الى كردفان ومعي الأسرة والأمتعة وما كنت أدري أنني سوف أقضي أجمل سنوات عمري هناك، حيث التفوق في الاجتماعيات والكرم وتقديرالآخرين، وهي الملتقى الاقتصادي، وقلعة الرياضة، ومسرح للآداب والفنون والجمال، وقد شاءت ظروف عملي- كأمين لديوان الحكم المحلي- أن أطوف الولاية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وأن أشارك في عدة مؤتمرات صلح بأم كدادة بدارفور، وأم قوزين، وأم سدر، وفي مؤتمر الأبيض الشهير للصلح القبلي، وقد غادرت كردفان بعد انتهاء فترة عملي منبهراً وسطرت عدة مقالات صحفية عن الأبيض الأسطورة بكردفان الغرة.. وفي هذا الأسبوع وبعد غيبة التقيت بالأخ الخبير الإعلامي الأستاذ الشاذلي فتآنسنا عن كردفان، وهو يعرف أشواقي لها، فحكى لي الكثير عن بشريات تنتظر الولاية التي تستحق كل خير وتطرقنا لطريق أم درمان/بارا، فشعرت بفرحة تغمرني والطريق على أبواب الولاية، وعندما تُذكر بارا تُذكر الركابية، وبارا أحفاد الختمية، وبارا محكمة زانوف وشجرتها التاريخية،(زولا سنونو بروق في محكمة زانوق) وانها بارا الليمون- إننا نتوق جميعاً بأن الحكم سيكون حقيقة في عهد الوالي الأخ أحمد هارون، ولمعرفتي الشخصية به نثق بأن شمال كردفان قد سارت في الطريق الصحيح، ففي كل الصدف التي التقيت فيها معه، وقبل أن يكون والياً كان حديثه كله وونسته عن كردفان، وقد كانت لقاءاتي به في منزل الأسرة بود الياس، والنزهة، بالمهندسين أم درمان، وفي منزله بحي المطار، عندما ذهبنا في تظاهرة نهتف ضد اوكامبو الذي انهزم.إن الحب الكبير الذي يحمله هذا الرجل لكردفان والوفاء من أهلها المخلصين مع التوفيق الالهي، سيعيد لهذه الولاية حقوقها التي تأخرت كثيراً.. ونواصل.