لي أصدقاء بين القناصل الفخريين، في مقدمتهم أخي نصر الدين شلقامي القنصل العام لدولة سلوفاكيا، التي درس فيها وعلا ذكره فيها فاتخذته قنصلاً ممثلاً لها في بلاده، وبينهم أيضاً أخونا الأكبر مصطفى عبادي، وهم عادة ما يكونون شخصيات ذات جاذبية شخصية وسمت اجتماعي ومقبولية عالية، تتأتى من قابليتهم للتضحية بالوقت والجهد وربما المال- إذا توفر- في مساعدة الآخرين. في «لمة أخوية» بمناسبة تعافي نصر الدين من العلة الطارئة التي ألزمته الفراش لأيام، افضى إليّ نصر بما يعانيه القناصل الفخريون من مشكلات في تسيير مهامهم مع الدول التي يمثلونها لدى حكومة السودان بلا مقابل تتحمله الدولة، فتذكرت المثل القديم «جوا يساعدوه في دفن ابوه دس المحافير»، مثلٌ يعبر بدقة عن كيفية تعامل الدولة مع هؤلاء القناصل. «التمثيل الفخري» هو تمثيل دبلوماسي أصيل ومتعارف عليه بين الدول، وهو يقوم بعمل السفير والقنصلية في الدول التي لم تتبادل التمثيل الدبلوماسي المعتاد وبينها علاقات تتطلب التسيير والتسهيل، ومن بين ذلك الاهتمام برعايا الدولة غير الممثلة والإجراءات المتصلة بعملهم أو ما يتعرضون له من حادثات، كما يقوم بترتيب الزيارات الرسمية بين الدولتين والاحتفال باليوم الوطني للدولة التي يمثلها القنصل الفخري. من مهام القنصل الفخري تقوية وتمتين العلاقات بين دولته والدولة التي يمثلها، والعمل على مساعدة بلاده بشتى السبل في استثمار هذه العلاقة التي يقوم على إدارتها.. من ذلك ما فعله الدكتور نصر الدين، عندما تمكن بجهد شخصي مقدر من إعفاء ديون السودان لدى سلوفاكيا التي يمثلها والبالغ قدرها نحو 40 مليون دولار، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة التي اعفت ديونها على السودان حتى الآن. كا يقوم هؤلاء القناصل السودانيين «الفخريين» بالعمل على توفير منح دراسية في مجال الدراسات العليا وتقديم مساعدات طبية مجانية للمناطق المحتاجة في البلاد واستجلاب بعثات متخصصة للكشوف الأثرية، بالاضافة إلى رعاية شؤون السودانيين في البلدان التي لا يوجد تمثيل للسودان فيها. ومن بين الدول التي تتعامل مع السودان عبر القناصل الفخريين المجر وأوكرانيا وصربيا وروسيا البيضاء وتايلاند وكرواتيا وسريلانكا.. أكثر من 25 دولة في مختلف أنحاء العالم، بما يوفر على الدولة ويرفع عن كاهلها مؤونة توفير الموازنات اللازمة لفتح سفارات لدى تلك الدول، وهو نهج يمكن لدولتنا التي تشكو لطوب الأرض من شح التمويل أن تتبعه وتتوسع فيه مع كل الدول التي ترى فائدة وراء تبادل التمثيل الفخري معها. فالتمثيل الفخري محكوم باتفاقية فيينا لسنة 1961 التي تُقنن عمل القناصل الفخريين والعامين، والدولة الأجنبية عندما تختار قنصلاً فخرياً أو عاماً يمثلها تُعْمل العديد من المعايير الدقيقة في مثل هذا الأختيار، ويتم تمحيص المرشح من قبل الدولتين المعنيتين- المرسلة والمستقبلة- فهو لابد أن يكون شخصية عامة مقبولة وذو علاقات عامة واسعة في بلاده وفي البلد الذي يختاره ممثلاً له، وعلى درجة عالية من الثقافة والاحاطة والتدبر، وبدون انحيازات سياسية قد تعرقل علاقاته وعمله لدى الدولة المضيفة التي هي وطنه في ذات الوقت. خلال السنوات الأخيرة بدأت الحكومة السودانية تنصرف عن الاهتمام بهذه الشريحة الدبلوماسية المهمة، فلم تعد تلقي بالاً لتجديد العلاقات وتنشيطها مع الدول التي يمثلونها، كما ألغت العديد من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، كالاعفاءات الجمركية (المؤقتة) على سياراتهم التي كانت تعفى لاربع سنوات قبل ان يبيعونها مع تسديد الجمارك المعفاة، كما تم سحب «الجواز الخاص» الذي كانوا يمنحونه لتمييزهم، كما ألغى الإعفاء الجمركي على احتياجات مكاتبهم التي يُسيرون اعمالهم القنصلية من خلالها. بالاضافة إلى أنه يجري تجاهلهم في المناسبات القومية ومناسبات التنوير بالسياسات التي تتبعها الدولة حتى يتمكن القنصل من إحاطة البلد الذي يمثله بتلك السياسات. ويتم تجاهلهم ايضاً في الزيارات الرسمية التي يقوم بها مسؤولون سودانيون للدول التي يمثلونها، بينما يمكن للدولة ان تستفيد من علاقات القنصل الفخري باصطحابه، أو على الأقل بإعلامه ببرنامج الزيارة حتى يقوم بالتمهيد والتحضير، وهي قد تحدث أحياناً، ولكنها حتى الآن لم تتخذ شكلاً مؤسسياً يجعل منها عملاً راتباً وضرورياً قبل أية رحلة أو زيارة للبلد المعني. شعر القناصل الفخريون والعامون- ومنهم صديقي نصر الدين- ببعض الارتياح وراودهم الأمل إثر مبادرة مساعد رئيس الجمهورية د. إبراهيم غندور للاجتماع بهم وسماع شكواهم من التجاهل والإهمال الذي يتعرضون له من الخارجية والدولة، التي قررت طوال سنوات متوالية «دس المحافير» لأسباب غير مفهومة.