كان على موعد حاسم معها ، كان المساء معطونا بالرطوبة ونكهة البرد ، كان المقهي الشتوي الذي يفتح أبوابه حتى أخريات الليل يغص بالرواد ، ويضج بالكحة الجافة ورائحة التبغ وضحكات خارجة من غرف القلب ، خاف أن تخلف ميعاده ، ويرحل مثل رواد مقاهي الليل وهو يردد على إيقاع عشرة ونصف « رجيتك وفي إنتظار عينيك كملت الصبر كلو « ، حينما دخلت إلى المقهى تهللت أساريره ، إستيقظ من كوابيسه مثل جرذ هارب من دكان الصقيع ، ألقت عليه التحية بصوت ألفته مسامعه ، صوت نبراته تحمل الإنسان على أرجوحة القمر ، تحوله إلى طفل يلتقط حبات الرمل من شاطيء الليل . بطلة قلب الرجل الهارب من الفرح ، إمرأة ألتقاها على عتبات الزمن ، أنثى ندية كقطعة حلوى على شفاه النسيم ، سحره عمقها ، وفلسفتها للحياة ، دخل إلى بهو حياتها وهو يعرف تماما أنه رجل خاسر ، خاسر في كل معاركه الناعمة ، كان صريحا معها فضفض لها بنتف من تفاصيل حياته ، كشف لها بعض طقوس وملامح أيامه ، أوضح لها أنه سعيد وليست في حياته منغصات ، لديه سيدة باهرة وباذخة كما العطر ، لكن عينه زائغة مثل 99.9 من الرجال الملاعين الذين يسيرون عكس التيار ، ويحاولون تمثيل كراكتر الدون جوان . كشف هذا الإعتراف وهو يعض على شفاهه مثل قط أعياه البرد في ليلة كثيفة الصقيع . أعجبتها صراحته المفرطة ، ولسانه المغسول بشهد الكلام . وقالت وهي تفرك يديها في حركة دائرية أنت راجل صريح شديد يآآآآآآآآآآآآه يا زول الرجال دوما يحاولون إخفاء حسابات أيامهم ويوقعون الآخر في الآخر في فخ الغباء . لا اريد ان أخدعك ، صدقيني عرفت نساء بعدد شعر رأسي ولكن أشعر أنك مختلفة ، إمرأة إرتمت على عتبة القلب ففتح نفاجه وفرش لها السجادة الحمراء وتوجها ملكة على إيقاع أيامه . إنت تقتلني بهذا البوح الآسر من علمك صناعة الكلام قالت وهي تبحر بنظراتها خلف النافذة الزجاجية كنورس كحلي عابر فوق شرفة النجوم . لم يمهلها حتى تأخذه تنهيدة من أعماقها اللاهثة بالحلم قال وهو يعقد بين حاجبيه ويتأملها مثل مخرج سينمائي فاشل يبحث عن نجمة تضفي إيقاعا على سيرة حياته الخاسرة آآآآآآآآآآآه تذكرت رأيت البارحة في حلم بهي ، كنت يا سيدتي مثل قمر هارب من متاهة السنين .. قالها وهو يحاول زحزحة النوم من مخدة عينيه . في تلك اللحظة المسكونة بالصدق والعفوية تناثر صوتها على مرايا الوقت وأصبح أكثر نعومة واو واو .. وهل إستطعت إصطياد القمر ؟ للأسف هرب مني ووجدت نفسي في نهاية المطاف ممسكا بخيوط الصمت . كان الليل يتوغل ، ورواد المقهي يتقلصون مثل كثبان رملية تحت ضربات سمفونية الريح . أريدك ان تضفي على حياتي نكهة مغايرة ، لأن « سي السيد « في حياتي أصبح منطفئا مثل فانوس على عتبة الصمت ، قالتها وهي تصلح هندامها لمغادرة المقهى،وعندها ألجمت الدهشة الرجل وظل يحدق في طيفها وهو تتلاشى في عتمة الليل .