جاء في الأنباء أن الفريق سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب طالب بضرورة إحضار الأممالمتحدة لقوات أممية لتراقب وتحمي الحدود بين شطري القطر عند اجراء الاستفتاء، وهو تصريح خطير ينبغي ألا يمر مرور الكرام لأن سيادته على علم تام بما يتم الترتيب والإعداد له في الخارج، ولعل إصرار الحركة على إجراء الاستفتاء حتى قبل اكمال ترسيم الحدود يرتبط بالتصريح آنف الذكر، ويؤكد هذا بما لايدع مجالاً للشك أن الحركة الشعبية غير جادة في اكمال هذه المهمة قبل إجراء الاستفتاء وتسعى لعرقلتها، لأن قادتها يأملون في ترسيم الحدود في ظل وجود القوات الأممية، وتراودهم أحلام- ربما تكون حقيقية- بأن هذه القوات ومن خلفها مراكز قوى الضغط الأجنبية ستنحاز لهم وتقف معهم في أي مشكلة تقع بين الطرفين، لاسيما في المناطق الغنية بالنفط، والمعادن، والثروات، ولن يقتصر النزاع على أبيي وحدها، بل سيمتد لعدة مناطق حدودية مثل حفرة النحاس. والغريب العجيب أن بعض الحركات الدارفورية المسلحة تسعى- لأسباب تكتيكية- للاستقواء بالحركة الشعبية ناسية أو متناسية أن الحركة وهي تماطل في ترسيم الحدود قبل الاستفتاء ستطمع في بعض مناطق دارفور المتاخمة لها لاسيما ذات المعادن والثروات. إن حكومة الإنقاذ قد أعلنت رفضها لعدة أشياء في البداية ثم عادت ووافقت عليها، مثل وجود القوات المشتركة في دارفور وغير ذلك.. وها نحن نرى عربات الأممالمتحدة تجوب شوارع العاصمة طولاً وعرضاً مع الوجود الكثيف (للخواجات)، وهذه مسائل خفيفة ولكن الداهية الثقيلة والكارثة الوبيلة التي لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى ستحل إذا حلت القوات الأممية بين الشمال والجنوب قبل ترسيم الحدود، وكما هو معروف فقد عُقد مؤتمر بنيويورك على هامش انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة للنظر في المسألة السودانية، وترأس المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة، وشارك فيه الرئيس الأمريكي أوباما، وثلاثون من القادة وكبار المسؤولين بدولهم، وشارك في المؤتمر النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية، ونائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني للشؤون التنفيذية، والغرض الأساسي هو تأكيد النائبين أمام المؤتمرين بإجراء الاستفتاء في موعده المحدد، وأراد منظمو المؤتمر أن يكون العالم كله شاهداً على هذا الإجراء الثنائي من طرفي اتفاقية نيفاشا، وقد حقق معدو المؤتمر هدفهم وهم يجلسون الآن في منصة المراقبة والانتظار، متكئين على الأرائك وأيديهم في المياه الباردة (وويل للشجي من الخلي)، بينما يضع أهل السودان أيديهم في المياه الساخنة، وقد رماهم أؤلئك في اليم، وقالوا لهم إياكم إياكم أن تبتلوا بالماء!!.. وإن المراقبين المنتظرين في الخارج ينتظرون إجراء الاستفتاء بصبر نافذ، وإذا لم يتم فإنهم قطعاً سيعلنون أن السودانيين الحاكمين درجوا على نقض العهود، ومن ثم يحاول أؤلئك إيجاد المبررات للتدخل الأجنبي بمختلف صوره، وإذا كانوا جادين فعلاً في إجراء الاستفتاء فلماذا لا يضغطون على الحركة الشعبية لتترك المماطلة وتسويف الزمن في ترسيم الحدود، وقد ذكر السيد نائب رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي الأخير أن الطرفين إذا كانا جادَين فإن الفترة الباقية تكفيهم لإنجاز هذا العمل وترسيم الحدود على الأرض. ولكن إذا لم ينفذ ما قاله السيد النائب وتلكأ أحد الطرفين أو كلاهما، ولم يتم إنجاز هذه المهمة قبل إجراءالاستفتاء، فإن الضرورة تقتضي الاتفاق على تأجيل الاستفتاء لحين الإنتهاء من ترسيم الحدود، ونأمل أن يخاطب السيد الرئيس بصفته أعلى سلطة دستورية في البلد، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الرأي العام الشمالي والجنوبي، ويبين لهم خطورة الاستفتاء دون ترسيم الحدود، ويخاطب أيضاً كل العقلاء في العالم، وفي كل الأحوال فإن ما يجري الآن هو محصلة طبيعية لسياسة الربت على الأكتاف، ومعالجة القضايا والمشاكل التي تطرأ كل فترة وأخرى بين الشريكين بالمسكنات، ورم الجروح على فسادها قبل نظافتها وتطهيرها، وأدى هذا لأن يصبح الشريكان مثل الزوجين المتشاكسين دائمي الشجار ويجمعهما (بيت نقري ونقة)، مع محاولة كل منهما أن يتزاكى على الآخر، وأثبتت لعبة الثعالب عدم جدواها، ومع ذلك فإن الوحدة أفضل من الانفصال في هذه الظروف (وحنانيك فإن بعض الشر أهون من بعض.. ووحدة عرجاء خير من حرب هوجاء). وإذا حدثت مناوشات- والنار من مستصغر الشرر- وأعقبتها حرب فإنها لن تكون كسابقاتها من الحروب، بل ستكون حرباً تدميرية شرسة، مع التدخل الأجنبي الخبيث، ولعل بعض الانتهازيين المحليين والأمميين سينتهزون هذه الظروف، ويعلنون أن الحل هو في إعلان دولة علمانية في الشمال والجنوب، وإعلان الغاء الشريعة الإسلامية، والتجاوز عن اتفاقية ميشاكوس الإطارية التي حسمت هذه المسألة حسماً مرضياً لكل الأطراف، ولا يمكن النكوص عنه، ولا أحد مفوض ليساوم في هوية الأمة ودون ذلك خرط القتاد. وقد أعلن بعض قادة الحركة الشعبية أن الاستفتاء إذا لم يقم في موعده فإنهم توافقوا جميعاً على إجراء استفتاء خاص بهم، مع إعلان الانفصال من داخل برلمان الاقليم الجنوبي، وإذا حل شهر يناير وتعذر إجراء الاستفتاء وكان خيارهم إعلان الانفصال من داخل برلمانهم الاقليمي كما أعلنوا، فإن بإمكان السيد الرئيس سحب البساط من تحت أقدامهم بأخطارهم بأن بإمكانه إعلان الانفصال بمرسوم منه من داخل الهيئة التشريعية القومية لا بمرسوم من نائبه الأول ورئيس حكومة الجنوب، شريطة أن يتم ذلك بعد ترسيم الحدود، والاتفاق على كافة القضايا الخلافية، ثم يتم التسريح باحسان (وعليكم يسهل وعلينا يمهل)، مع تنفيذ كل شيء بعد ذلك بطريقة سلسة سعياً وراء جيرة حميمة لا عداوة مستديمة. وفي الماضي كانت المشكلة واحدة وتسمى مشكلة جنوب السودان، ولكن بانضمام الشماليين للحركة الشعبية كان حصاد هذه الشراكة هو ظهور ثلاثة مشاكل معقدة في جنوب النيل الأزرق، وجنوب كردفان، وأبيي التي زاد من اشتعالها انخراط عدد من أبنائها في الحركة الشعبية، واعتلاء بعضهم وظائف قيادية فيها، ووظائف تنفيذية في الدولة، مثل السيد دينق ألور، وكانوا وما فتئوا يعملون بجد لصرف فاتورة مشاركتهم في الحركة الشعبية التي ما قصرت معهم، وجعلت أبيي شوكة مسمومة مغروسة في خاصرة الوطن. وورد في (رسائل ومدونات) أن الإدارة البريطانية أعفت في عام (1915م)، ناظر المسيرية الزرق محمد الفقير«ود الجبوري» عن النظارة، وقبل إعفائه أنشد أحد الهدايين وهو من أهله من فرع أولاد أم سليم قائلاً: يا أهل أولاد أم سليم تعالوا بوصيكو خايف يتن ما أجيكو كي حزمو واليكو كان جعتو بي قدحو الكبير بعشيكو وكان فقرتو بي لوحو المر يفتيكو خايف ليكو من البدنات الست يلحسن فيكو النظارة ظرافة كان قفت بتن ما بتجيكو. وإذا كان هذا الهداي يتمزق حزنا لأن فرع قبيلته سيفقد النظارة، فهل لنا بهداي فصيح ينوح ويبكي حال الوطن الجريح.