برغم الطمأنينة التي تشيعها طلة الرجلين على المكان المهيب، فإن الاضطراب بلغ مداه واضرم حساسيات بالغة التعقيد لدي البعض لتأخر بداية الجلسة، ومن جراء الزحام فقد ضاقت القاعة بالمدعووين في جلسة ورقتي التلفزيون والاذاعة، كما ضاقت بعض الأنفس لدى ابتدار النقاش، فلربما تسرع هؤلاء الأعزاء فصنفوا المداخلة في خانة (بغير ما تشتهي بعض السفن). أقصد بالرجلين الأستاذ أحمد سعد عمر وزير رئاسة مجلس الوزراء رئيس الجلسة وصفيه وزير الدولة الأستاذ جمال محمود، أما المكان فهو مقر المجلس الموقر الذي استضاف هذه الفعاليات الحاشدة وأضفي عليها مما عنده من دلائل الهيبة وايحاءات (التنفيذ) الذي هو اختصاصه وغاية ما يتمناه اي مؤتمر يريد لتوصياته أن تنجو من التصنيف في خانة (حبر علي ورق) فالذي حدث فعلاً في ختام الجلسات أن الوزير الأمير أعلنها صراحة بأن التوصيات موعودة بالنجاة من ظلمات الأضابير. لقد ارتحت للمشهد فإنهم (ناس الاذاعة والتلفزيون والبث)، وقد أمكن لقاؤهم على صعيد واحد تؤازرهم الصحافة وممثلون لمختلف السلطات في الدولة خاصة سلطات (الفعل)، فالمؤتمر ما احوجه للأفعال.. الأفعال لا الأمنيات والكلام المكرر، هكذا صدحت معظم الآراء حول الورقتين الناطقتين باسم الإذاعة والتلفزيون في ورشة عمل تحضيرية لمؤتمر قومي للإعلام يلتئم بعد أيام. ورقة التلفزيون جاءت (كتابا) يفيض في سيرة الماضي والحاضر والمستقبل.. عرضها الأستاذ محمد حاتم سليمان المدير العام وبقدر ما كان الماضي فريداً فإن حال الحاضر يوصف بانه مزعج مالم تتسارع خطي الإصلاح، أما التصور المقترح للمستقبل فهو مبهر يثير الدهشة ويلفت النظر الى آفاق التطور التقني في عالم الإعلام الذي لا تحده حدود.. الورقة اخترقت هذا العالم بدراية وافرة بأسرار الفضاء وطلاسمه، السودانيون في الصورة إذن..الحاضر أفاض بأشياء من حتى.. تبارت التساؤل في محاولة الكشف عن غبن ما ولكن بحصافة.. كثيرون طرحوا مداخلاتهم في شكل اسئلة ولسان حالهم (كفي الله المؤمنين القتال): متى يستقر الوضع الإداري للإذاعة والتلفزيون استقلالا أم دمجاً؟.. فصل القناتين قومية وعالمية متى؟..الهيكل الوظيفي المواكب متى يرى النور فيكف المبدعون عن الهجرة؟.. حقوق العاملين المتراكمة أما آن لها أن تترجل؟..التشريعات القديمة واللوائح التي عفى عليها الزمن الى متى تتحكم في الاداء الإعلامي وقد بدا يطالع العالم؟.. لماذا لا يسمعنا ويشاهدنا المسؤولون لينصفونا؟..إنه مؤتمر التساؤلات الذكية التي تكشف عن ما وراءها مع أن القوم لايعوزهم الإفصاح ولا الصراحة، فهناك حديث صريح عن حتمية حرية الإعلام الرسمي وانحيازه للمواطن دافع الضرائب ولجمهور الشباب، وعن ضرور أن نفهم أن الوسائط الجديدة تكاد تفقد الإذاعة والتلفزيون جمهورهما الأثير الذي بقي وفياً للماضي لكنه لا يراهن على مستقبل يتسيده(موبايل) في الجيب. النقاش يتشعب.. وهو قديم يتجدد منذ المؤتمر الاول 1991 كما قال أحد شهوده الدكتور صلاح محمد ابراهيم.. فمن ذا الذي لا يدرك ما يواجه إعلامنا من معضلات وتحديات؟.. هنا برز السؤال الأكبر: أين الحلول؟.. كنت وما زلت من أنصار المعادلة المنطقية (إعلام فاعل يعني تمويل منصف).. منصف للعاملين الأبرار وللجهود المخلصة المبذولة بسخاء وعلى مر الزمن من تلقاء شعور أهل المهنة ومبادرات اهل الغيرة.. لن يتسنى للإعلام الرسمي أن يبقى بعيداً عن المواكبة مكتفياً بخانة العراقة ورهين مبادرات العاملين والمديرين من أهل البصمات. إن مصير الإعلام الرسمي يحتاج لوقفة من جانب الدولة وقادة الرأي وعلماء الإعلام، فالعالم يتغير بسرعة تستدعي الحديث عن التعليم الإعلامي والمهارات الإبداعية والتدريب والتخصص والجودة والمنافسة التي اتخذت شعاراً للجلسات، واستدعت حشد الموارد المالية الكافية والفنية المواكبة، وقبل ذلك البشرية- عالية الكفاءة.. مشكلة التوصيات هذه المرة وفي ظروف هذه التحديات إنها لا تحتمل الإبطاء أو التصنيف بين الأولويات المنسية.. هناك مظاهر اهتمام بالنتائج، فلقد ظل وزير الإعلام ووزير الدولة والوكيل ملازمين للجلسات يترصدون التوصيات.. وهناك حديث رسمي يمكن أن يطمئن الباحثين عن أمل ما لم يهدد النسيان مصير هذا الجهد الكبير بحجة أن مشاكل البلاد كثيرة ولا أولوية له- كما قد كان.. مهنة الإعلام مجبولة على إشاعة التفاؤل بين الناس.. ولقد سمعت آراء مشجعة للتفاؤل من مسؤولين شهدوا الجلسات، فالدكتور جلال يوسف الدقير مساعد رئيس الجمهورية أعلنها صريحة (مدينة للإنتاج الإعلامي) هي الحل.. ومسؤولة الإعلام بالبرلمان الأستاذة عفاف تاور احتجت على الوضع الراهن للتشريعات التي تحكم الاداء الإعلامي في البلاد وطالبت بالارتقاء بالشأن الإعلامي لمرتبة اعداد الجيوش فلكل حربه.. أما وزير رئاسة مجلس الوزراء السيد احمد سعد عمر فقد برأ التوصيات من لعنة (حبر على ورق..) بروفيسور ابراهيم غندور مساعد الرئيس قال وهو يتسلم التوصيات إنها ستحظى «بأذن صاغية من الدولة». فماذا بعد، غير أن نترقب مفاجآت وقرارات.. فالنائب الأول ينتظر، ولرئيس الجمهورية القول الفصل في مصير الإعلام السوداني والعالم يتغير.. نتمنى أن تكون هذه نهاية الاسئلة المحيرة عن إعلامنا في زمن الواتساب واعوانه، علماً بأن ما خفي افظع؟. وللخواطر بقية: للقاءات الجانبية سحرها لا سيما اذا حفلت المناسبة بالنجوم وللمكان ألقه.. حظيت بلقاء مع وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء الأستاذ جمال محمود، مهندس الملفات الاستراتيجية.. لا سر، بينها الإعلام وإعداد القادة- عماد الاصلاح. - ورقة الإذاعة أعدها فريق يتصدره الأستاذ صالح محمد صالح- مدير سابق للإذاعة ووكيل للوزارة.. قدمها البروف عوض ابراهيم عوض فاضفى عليها من روحه الوثابة كمذيع وأكاديمي.. راقني حديثه عن إعلام (الدولة المؤدبة). - افرحتني طلت الأستاذ صالح ودكتور حديد السراج، والنجم حمدي بولاد، وسيرة المهندس حسن احمد عبدالرحمن- شفاه الله- وقد ارتبط بالتطور التقني للتلفزيون، بروفيسور علي شمو ظل حضوراً كمرجع. - الحضور تسبقهم بصماتهم كمشاهير عرفهم الناس عبر الشاشة والمايكرفون، والصحافة أيضاً كما ذكرني دكتور تيتاوي قرب المنصة وعلي الهواء. - بين الحضور وزير الاتصالات السابق المدير الجديد للهيئة القومية للاتصالات فتذكرت بوادر لدعم شركات الاتصالات للأجهزة الإعلامية وتمنيت أن تصدر توصية تبقى على هذا الاتجاه وتطوره. - بروفيسور صلاح الدين الفاضل تلقاني متبسماً وأنا أغادر المنصة ملوحاً بإبهامين لا واحد، علامة التوفيق.. تسلم اياديك لي وللإعلام السوداني يا بروف.. يا سخي. - الأستاذ معتصم فضل نال فرصة الحديث(على راحته) عبر الاذاعة.. فأعطى المؤتمر حقه ونجا من ضيق الفرص وجعلني أفكر في مواصلة هذا المقال. - هناك جنود مجهولون وراء التحضير الجيد- لا أعرفهم- لكني أحسست بهم من خلال حرصهم على ايصال الدعوة وأوراق العمل والملاحقة عبر الهاتف لضمان الحضور في الموعد المحدد.. شكراً.