يلتقي كل السالكين على أن الغاية من ممارسة التصوف هي اصلاح الحياة، والترقي بالمعرفة، تلك المعرفة التي تتراكم بالعمل كما جاء في الحديث النبوي «من عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم». و ترتبط «الغاية» بالظرف التاريخي .. ومن المتصوفة من يقف عند حدود القيم التربوية مهتماً بالسلوك، والتهذيب والتزام الفضيلة، وهناك من يتجاوز عالياً الظرف التاريخي فيتحدث عن الغيب، وكنه الكون، والمعرفة بالله. ويترقى السالك بالمعرفة حتى يعرف نفسه فيعرف الله ، قال الاستاذ محمود محمد طه عن تجربته الصوفية « أما أنا فقد بدأت بالجانب التطبيقي في العبادة بإحياء السنة قولاً وعملاً وسلوكاً، منتظراً موعود الله حيث قال :(واتقوا الله ويعلمكم الله).. فلما جرى على لساني، وقلمي، ومسيرتي وأعلمني الله من حقائق دينه ظنه الناس ليس من الاسلام وما علموا أن ما أقوله وأسلكه هو الاسلام عائد من جديد، وأن الغرابة في هذا القول، وهذا السلوك إنما هي لازمة من لوازم البعث الاسلامي.. وهكذا المشوار ، مشوار الترقي، الذي يبدأ عند الصوفي من الداخل ، بتجلية النفس من المذمومات.. و لذا سُمِيّ التصوف ب «علم الباطن» لتعلقه بالجارحة الباطنة ، وهي القلب في مقابل الفقه «علم الظاهر». وأهل التصوف يأخذون الفقه وجهاً معرفياً ، ولكنهم يعولون على ماورائه ، حيث أن « كل من اشتغل بالعلة الظاهرة، ولم يعتقد أن وراء ماهو ساعٍ في تعلمه من الفقه والحديث والتفسير حقائق وعلوم باطنة،، فهو غافل عن الله تعإلى، جاهل بدين محمد، وداخل تحت قوله تعالي: (يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون).. والصوفي لابد له أن (يجمع بين الأختين)،، أي يصلح الظاهر والباطن معاً، فيعامل الناس بشريعتهم انطلاقاً من حقيقته. والتصوف بهذا المعنى، هو روح الدين وجوهره، لأن قواعد الدِّين كلها مردودة إلى الأساس الأخلاقي، فمن زاد خُلقه زاد صفاؤه .. والأخلاق ثمرة الممارسة الشاقه في ترفيع النفس من سافلها الحيواني إلى سموها الروحي. و الطريقة الصوفية، كما عرّفها أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين «أول شروطها تطهير القلب..مفتاحها استغراق القلب بذكر الله..وآخرها الفناء بكلية في الله».. فالتصوف إذن ، فوق أنه شريعة وزيادة ،، هو ثمرة العمل بالشريعة،،هو معركة مع النفس لا انكفاء عليها.. وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ب( الجهاد الاكبر)، في مقابلة (الجهاد الأصغر)- جهاد السيف - ، حيث أن أعدى أعداءك ،هي نفسك، التي بين جنبيك.. وفي هذا المعني قال الشريف البيتي « شُقَّ ثوب الوهمِ عنْ ذَاتِكَ ينشّقُ غِطَاهَا وادْخُلِ الجنّةَ فى دُنْياكَ وانعمْ بشذاها ».. أما العبادات والمعاملات كلها مبنية على قواعد الأخلاق.. فقد شُرِّع الحج والصوم لأهداف أخلاقية ، والصلاة والطهارة لترقيق القلب ، وتحليةً للانسان بفضائل إلاهية والخشوع والمناجاة والانس بالله ، وبغير هذه المعاني تصبح الصلاة هيكلاً فارغاً.. وعلى ذلك- كل العبادات والمعاملات،، لا تكون ذات قيمة أو فائدة ، ما لم تقم على البُعد الأخلاقي.. والصوفية لهم قول في ما يلي الالتزام بالشريعة ، فهُمْ يحاربون في ذواتهم الغفلة والأغيار ، ويعبدون الله طمعاً في جنته لاخوفاً من ناره.. والصوفي يُدان بالأغيار حتى في سياحات روحه في المنام أو الحضرة.. هذا المعنى الصوفي ، «محاربة النفس» والسمو بها، هو فخر عظيم تجده فى الحكم والأمثال السودانية، وفى مربعات الدوبيت، وكذلك الشعر الثوري.. من هذا المناخ استلف محمد وردي لحنه الشهير أحارب من أجلك ذاتي..! ومن هنا كان لقاء العابد والثائر، قدراً مقدوراً، على الطريق : طريق القوم..!