تعيش الاعلامية منى حواء حالات ارتحال مدهشة مابين عملها الاعلامي وحمل دفاترها للتحضير في اطروحة الدكتوراة في مجال الاعلام السياسي بجامعة افريقيا العالمية ، فلسطينية سودانية الهوى والجنسية تشربت بالعادات والتقاليد لسودانية منذ العام 1991 عندما حضرت مع أسرتها بعد حرب الخليج الثانية، اعلامية مطبوعة منذ طفولتها عملت في إعداد وتقديم عدد من البرامج الاذاعية والتلفزيونية وتنقلّت ما بين إذاعة الفرقان والإذاعة الطبيية ومراسلة تلفزيونية، غادرت السودان قبل خمسة سنوات إلى الأردن للإقامة مع جدتها وهناك إلتقت بزوجها اليوم الفلسطيني الأردني محمد المشط، وأكملت مشوارها الإعلامي بالعمل في إذاعة حياة إف إم الأردنية وقناة الرسالة الفضائية وعدد من الجهات الأخرى. وفي بوح خاص كشفت منى والتي تزور البلاد في زيارة مختلفة من مقر اقامتها بالرياض كمحررة صحفية عن اشواق وحنين لبلدها السودان وقالت حاصرتني احاسيس الوحشة منذ مغادرتي لأول مرة عندما ذهبت الى الأردن رغم وجودي بين أهلي وعشيرتي وهم مجتمع فلسطيني أقرب إلى هويتي، إلا أني وجدت نفسي متنازعة ما بين الهوى والهوية والإنتماء إلى السودان. وتواصل حديثها، من الفروقات والمقارنات التي تفرض نفسها لدى الغائبين عن بلادهم والمرتحلين إلى أوطان أخرى قالت «في المجتمعات التي أقمت بها هناك بون شاسع بين المجتمع السوداني وأي مجتمع آخر، فالتراحم والتواد والتزاور لا مثيل له عندما يقارن بالسودان، على سبيل المثال في الأردن نجد أن الجار لا يعرف جاره، وفي المناسبات الإجتماعية لا تلبى الدعوة إلا بكروت منتقاة عليها أسماء المدعويين في حين أن السودان تتساوى فيه الأتراح مع الأفراح .. الجميع يشاركون، بل أحيانا تجدهم يشاركون بدون دعوة بغرض المشاركة الإجتماعية وتوطيد النسيج الإجتماعي « وتواصل بث أشجانها وفقدها للسودان قائلة « وكذلك الحال عندما ذهبت إلى الرياض برفقة زوجي، وجدتني لا أتأقلم إلا مع السودانين بل أنني أعزو نجاحي لمديرتي السودانية في مجلة رواد الأعمال الأستاذة هالة النور التي غمرتني بكرمها السوداني وخلقها الطيب الذي ما عرفته إلا مع السودانين أهل الأصالة والسماحة» وحول انطباعاتها عن السودان بعد طول غياب أبدت إندهاش وقالت ما وجدته يفوق الخيال، فالغلاء صادم، حتى قارورة المياة تضاعف سعرها إلى ثلاثة أضعاف، نعم كنت أسمع أن هناك زيادة في الأسعار ولكن مالم أتوقعه أن يتضخم الأمر هكذا بهذه الفترة الوجيزة وبالمقابل لم نسمع بزيادة في مستوى الدخل ، ومن الملاحظات القاسية جدا ملامح الحزن والهم المرتسمة على أوجه السودانين المحببة إلى قلبي، حتى في سلامهم تشعر أن هذه اليد التي تفيض كرمًا رغم قسوة الزمن مرتعشة، لم تعد بذات الدفئ الذي ألفناه فيما مضى» ومن الطرائف التي تضحكها تقول منى» زوجي يستغرب كثيرا عندما يجدني أتحدث باللهجة السودانية مع الأصدقاء، ولطالما حاول فهم الكلمات ومعرفة دلالات المفردات، وكنت دائمًا أختلف معه على أن اللهجة السودانية هي الأقرب إلى اللغة العربية الفصحى من بقية اللهجات الأخرى، وأنني عندما أناديه ( يا زول ) فإنني أناديه بأطيب الأسماء لأن الزول لغة هو الرجل السمح حسب لسان العرب، الكريم الجواد كثير الممادح والمحاسن ويقال لشديد الرجولة الظريف المتوقد بل أن بعضهم يشبه الأنبياء بأنهم (أزوال) شجعان». ولأن للحن السوداني حنينه الخاص فالألحان السودانية كانت تنبعث من دواخلها وتقول (لا أخفيك، عندما كنت في السودان لم أكن أستمع للفنان محمد وردي، ولكن في غربتي أصبحث أقلب أشرطة أغانيه هو وغيره بحثا في الذاكرة وذلك السرّ الخفي الذي كان يربطني في دروب السودان، فالألحان التي كنت أسمعها وأنا كنت أتحرك في بلدي أو في «كافتيريا» الجامعة إنسابت ووجدت مكانها في الدواخل، وعندما سافرت استدعتنتي بالحنين لبلدي السودان وكنت أبحث في القنوات الفضائية من الخارج عن أهازيج الحبوبات وطمبور الشمال وأغاني الشوايقة وكل الإيقاعات التي وجدت أصدائها في صدر مشتاق.