طلب مني وزير التعاون الدولي رئيس وفد السودان لقمة الدول الافريقية الكاريبية الباسفيكية التي انعقدت بعاصمة جزر فيجن بالمحيط الباسفيكي 2002 أن أجلس في مقعد السودان حتى يدخن سيجارة ويعود.. وكان يجلس حينها سفير جنوب افريقيا ببروكسل، وزميلي في مقعد بلاده وتبادلنا حديثاً سريعاً حول الفرصة التاريخية التي اتيحت لكيلينا، وفجأة وبحركة سريعة غادر زميلي مقعده المجاور ووجدت نفسي وجهاً لوجه مع الرئيس ثابو مبيكي رئيس جمهورية جنوب افريقيا، الذي حياني بأدب وهو يجلس في مقعد بلاده بجواري.. وبادرني الرئيس مبيكي الحديث بسؤال عن الأوضاع في السودان وعن جهود السلام فأجبته.. واذكر تماماً أنني استجمعت شجاعتي وسألته عن سبب بعده عن الشأن السوداني وعدم توسطه لتحقيق السلام، وكان رئيساً للاتحاد الافريقي فقال لي إنه يعلم أن الرئيس الكيني دانيال أراب موي يرغب في لعب الدور الرئيسي وهو يحترم ذلك، وأنه قد تتاح له الفرصة مستقبلاً ليسهم بدوره في تحقيق السلام في السودان. بعد بضع سنوات ونحن نجلس في مكتبه بمنزله باحدى ضواحي جوهانسبيرج مع وفد سوداني رفيع المستوى ذكّرته بالحديث الذي دار بيننا في فيجن، فضحك وقال لنا إنه قدره وهو سعيد بذلك.. وكان حينها الرئيس السابق لجنوب افريقيا ورئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى.. وكنت أنا سفير السودان بجنوب افريقيا، وبهذاربما أكون أول من دعا الرئيس مبيكي للعب دور الوساطة في القضايا السودانية، وقد يعود السبب لتجربة عملي بكينيا ومعرفتي بأطماعها وبالدور الذي كان يلعبه رئيسها في دعم التمرد من جهة، والتهام أجزاء غالية من السودان، حينها في منطقة مثلث اليمي.. والسودان مشغول بحربه في الجنوب وما آلت اليه الأمور بطردي من كينيا في مارس 9891 بسبب الخلاف على المثلث، يضاف الى ذلك أن الرئيس مبيكي كان قد بلغ شأواً عظيماً في قيادته لبلاده وبروزه كقائد افريقي لا يشق له غبار يذِّكر بالآباء الأوائل للوحدة الافريقية مثل نكروما وسيكوتوري وناصر.. وقد أدخل مفاهيم جديدة في العمل الافريقي المشترك كالمبادرة الجديدة للتنمية في افريقيا NEPAD النيباد وآلية مراجعة النظراء PEER REVIEW MECTIANISM وهي اسهامات كبيرة في مسار التنمية والحكم الرشيد.. كما أنه ابتدر الدعوة لأن تحتضن افريقيا أبناءها في المهجر AFRICANS IN DIASPORA وكان معتزاً بأفريقيته يناهض اي تدخل أجنبي في شؤون القارة السمراء. اقترب مبيكي من الشأن السوداني أثناء فترتي رئاسته لجنوب افريقيا من خلال زيارته للسودان ولدارفور على وجه الخصوص، وصداقته الوطيدة بالرئيس البشير، وتم توقيع أكثر من سبع اتفاقيات للتعاون بين البلدين وشهدت العلاقات ازدهاراً كبيراً في عهده باشراف شخصي من الرجل. وأيد مبيكي اتفاقية السلام الشامل وأرسل نائبه حينها جاكوب زوما لحضور احتفال التوقيع بنيروبي، كما وقف قبلها مع مطلب السودان بأن تكون قوات حفظ السلام في دارفور افريقية، وشاركت جنوب افريقيا بقوات في القوات الافريقية بدارفور. وكانت آخر زيارة قام بها مبيكي قبل الإطاحة به ديموقراطياً للسودان. استقال مبيكي من رئاسة الدولة بعد سقوطه في انتخابات حزب المؤتمر الوطني الافريقي وفوز جاكوب زوما الرئيس الحالي لذلك البلد الجميل الذي ينعم بديموقراطية فريدة في القارة، أرسى قواعدها الرئيس الاسطوري نلسون مانديلا، وثبَّت تلك القواعد الرئيس ثابو مبيكي الذي قرر بحكمته ومهنيته وفكره الثاقب احترام قرار حزبه رغم أن الذي ينتخب الرئيس أو يقيله هو البرلمان. وقد أثبت التاريخ أن مبيكي اتخذ القرار الصائب. انشغل بعد ذلك الرئيس ثابو مبيكي بقضايا السودان كما وعد، وهو ليس انشغال عاطل عن العمل أو الباحث عن مجد إنما انشغال ابن من أبناء أفريقيا الأوفياء بقضية تحقيق السلام في بلد يمثل القلب لافريقيا، ومبيكي مؤمن بالوحدة والسلام في بلاده وفي افريقيا بوجه عام، وهو قد كان أحد المفاوضين الرئيسيين للمؤتمر الوطني الافريقي مع نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا، وقد نجح مع رفاقه وعلى رأسهم مانديلا في تحقيق السلام والمحافظة على وحدة بلادهم، وكانت دولة البيض مطروحة كخيار.. إلا أن اختيار الديموقراطية الحقيقية انقذت جنوب افريقيا من التمزق والحرب. لا يساورني أدنى شك في حياد مبيكي وفي نزاهته وصدقيته وحبه للسودان بلداً وشعباً وقيادة.. ولو كان في افريقيا رجل واحد لا يخضع لأجندات أو املاءات خارجية مخلص للسلام متفهم لخصائص وصفات الشعوب الافريقية لقلت إنه الرئيس ثابو مبيكي، وهو يستحق بجدارة جائزة نوبل للسلام بل هي التي تستحقه، وقد نالها باراك أوباما لمجرد أنه رئيس دولة عظمى.. فليراجع العالم والسودانيون على وجه الخصوص عدد الساعات التي قضاها مبيكي متجولاً داخل السودان وخارجه في زيارات ومفاوضات ومواجهات بهدف واحد هو تحقيق السلام.. أبعد هذا يأتي من يشكك في نوايا الرجل إلا جحوداً.. لقد كتب ثابو مبيكي أعظم ما قيل عن السودان في مقال نشر في كل أنحاء العالم قبيل الاستفتاء، وهو مقال يستحق أن يعلقه كل سوداني في بيته فخراً.. سنسعى لترجمته ونشره.. علينا الاستبانة حتى لا نصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين.. ثابو مبيكي يستحق كل تقدير واحترام وهو بطل افريقي حقيقي ٭ سفير دبلوماسي