منذ دخولنا لعالم الصحافة ونحن نلحظ أنها دائماً ما تعد التحقيقات حول ظواهر كثيرة من بينها: ظواهر التسول.. وقد لا تخلو أي صحيفة جديدة من ذلك التحقيق ودائماً ما تكون خاتمة التحقيق (رمي) اللوم على الحكومة التي أفقرت بسياساتها شريحة من الناس وجعلتهم يتجهون للتسول، ومع مرور الأيام وبالمتابعة تراجعت الصحافة عن الكتابة عن الظاهرة، وأعتقد أو أرجع هذا التراجع إلى أنها- أي الصحف- قد وجدت قضية التسول عادية، لكن الخطير الذي لم تتطرق إليه صاحبة الجلالة بقوة هو أن التسول أصبح مهنة ومؤسسة.. نعم مؤسسة ضخمة تضم في جنباتها عدداً كبيراً من المتسولين أصحاب العاهات المختلفة، كما أن هناك عدداً كبيراً من مواطني بعض الدول يتوافدون على البلاد في المواسم وغير المواسم، لعملهم (بسايكلوجية) الإنسان السوداني الذي يعطف على المتسول ولايرده أبداً، لذا أصبح السودان قبلة للكثيرين من أمثال هؤلاء، وأظن أن هجرتهم التي تكاد تكون منظمة تذكرني بالرافضين لهجرة الأطباء والأساتذة الجامعيين والشباب الذين يحملون مؤهلات (محترمة) ولا يحمدون الله أن أبناء الوطن يهاجرون لمهن (عزيزة).. سادتي شدت انتباهي جملة من تصريح وزارة التنمية الاجتماعية على لسان د. التجاني الأصم مدير عام الوزارة، الذي كان يتحدث عن ترحيل (47) متسولاً أجنبياً لبلادهم، والذي أكد فيه أهمية مشاركة المجتمع في عملية محاربة ظاهرة التسول، وتقديم الدعم للمستحقين بقنوات محددة.. وحقيقة هذا الحديث يحتاج للوقوف عنده، فالمتسولون الأجانب يعلمون أن المواطن السوداني لا يبخل على المتسول، لذا هم يأتون، وأعتقد أنه آن الأوان لتهذيب هذه العاطفة ومنع مهنة التسول.. نعم سادتي فكرمنا وسعينا لدفع الصدقات في غير موضعها، قد يحول البعض الأصحاب لامتهان التسول، وبدلاً من أن نحل مشكلته ندخله في مشكلة يصعب الخروج منها، لذا علينا أن نمحص المتسول المحتاج فعلاً من صاحب المهنة هذا أولاً .. وثانياً على الحكومة أن تعمل على حل مشكلة المتسولين السودانيين الذين دفعتهم الحاجة للتسول، فالإنسان السوداني يكره مد يده لذا علينا الحفاظ على هذه السمة واستبدالها بمشروعات تخرجه من دائرة الفقر، وتدخله في دائرة المتصدقين، وأعتقد أنه إذا انضبط المجتمع والتزمت الحكومة فلن تضيع أموال الشعب السوداني في ترحيل الأجانب ولا الصرف عليهم.