تحقيق : عادل بدين: يعتبر التسول ظاهرة اجتماعية سالبة، وان كانت عالمية لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، وهى من التشوهات الاجتماعية التي تؤثر وتعتبر انحرافا على السلوك السوي للمجتمع وخروجا عن العادات والتقاليد ، وتنتشر هذه الظاهرة في المدن الكبرى خاصة الخرطوم وعواصم الولايات الأخرى والتي يفد اليها المهاجرون من الريف، وتأتى هذه الظاهرة نتيجة للفقر والبطالة وسوء الأحوال المعيشية، اضافة للكوارث الطبيعية والحروبات والنزاعات، وتوجد عند سكان بعض المناطق عرف أو تقليد مما يؤدى الى تطبيع الأسر في تلك المجتمعات ،ومعظم دول العالم تعمل على منع التسول ومكافحته والحد منه بشتى السبل باعتباره سببا من أسباب التخلف والجريمة وطريقا للانحراف يتنافى مع السلوك الحضاري، ولكن الملاحظ انتشارهذه الظاهرة في الآونة الأخيرة بصورة غريبة . فما هي الأسباب والتداعيات التي أدت لانتشارها ؟ هل ضاع حياء المؤمن ؟ أم ضاع الإيمان أصلا ؟أم أنها أصبحت مهنة من لا مهنة له ؟ وهل يمكن للمتسول ترك التسول اذا تهيأت له الظروف لذلك ؟ وما هي الطرق التي يمكن اتخاذها للحد من هذه الظاهرة ؟ وماهو دور الجهات الرسمية لمعالجة هذه الظاهرة ؟ ولماذا لا يزال هنالك من يستخدم الأطفال بالرغم من وجود قانون الطفل السوداني لسنة 2009 الذي يحظر استخدام الأطفال في أي من أعمال السخرة أو الاستقلال الجنسي أو الاباحى أو في تجارة غير مشروعة واستغلاله واستخدامه في النزاعات المسلحة . وهنا يمكن ادراج الأطفال المتسولين باعتبار أن التسول قد اتخذ كتجارة للبعض يستخدمون فيها الأطفال في بعض الأحيان من أجل كسب المال ، حيث لا توجد من القوانين الوطنية التي تتناول ظاهرة التسول الا ما جاء في قانون الجوازات والهجرة والجنسية والخاص بتنظيم دخول الأجانب وفق ضوابط محددة مع تحديد كيفية التعامل مع المتسللين . وفى تعقب لأثار هذه الظاهرة قامت «الصحافة» بجولة حول السوق العربي حيث التقينا: بالتاجرالطيب علي الذي قال بأن معظم المتسولين في الخرطوم من الأجانب ويتخذون من فناء الجامع الكبير مأوى لهم وكأنهم يتضرعون الى الله من أمام بيته انتظارا للرحمة، وعندما تشرق الشمس ينتشرون في الأسواق بحثا عن أرزاقهم ويعودون للمسجد دبر كل صلاة ليس لتأديتها في جماعة ولكن حرصا منهم على خروج المصلين من المسجد والحصول على رزق منهم ،ويرى الطيب بأن تضع الدولة قوانين صارمة تمنع دخول هؤلاء المتسولين القادمين من الخارج وتعمل على ترحيل الموجودين بالداخل . كما أوضح «للصحافة» هاشم حسن «موظف» بأن هناك بعض النساء يقمن بايجار أبنائهم لبعض المتسولات زهاء مبلغ محدد من المال ، وتجد الواحدة منهن تضع أمامها ثلاثة أطفال وهم في أعمار صغيرة حتى تستطيع أن تنال عطف المارة وتتحصل على ما تصبو اليه . وقالت هند عبد الله :الطالبة بجامعة السودان أحيانا يستوقفك طفل صغير ويطلب منك المساعدة ويمسك بطرف ثوبك ولا تستطيع الخلاص منه الا بعد ان تدفع له وعندما تعطيه تجد خلفك مجموعة ليست بالقليلة تنتظر دورها . كذلك ذكر المواطن حسن علي عمر بأنه قابل أحد المتسولين في سوق الكلاكلة اللفة وطلب منه مبلغ 2جنيها حتى يتمكن من الوصول لابنائه في جبل أولياء ، وأوضح بأنه لم يتردد وأعطاه ما سأله ولكن الغريب في الأمر أنه تفاجأ بذات الشخص بعد عدة أيام وفى نفس المكان وبذات السيناريو . والشاهد أن ظاهرة التسول ليست جديدة ولكنها كانت محصورة لفئة لم يكن لها سبيل اخر غير مد اليد وطلب الحسنة وهى فئة الفقراء والمحتاجين ولكن الآن نجد هنالك أشكالا وأنواعا مختلفة ظهرت للعيان وذلك من خلال حركتهم وأسلوبهم المتقن مما يؤكد انتماءهم لشبكة منظمة ولعقل مدبر، ولكن هؤلاء يضيقون الخناق على أصحاب الحاجة الحقيقية للمساعدة للوقوف بجانبهم لذلك نجد أن أسواق العاصمة والمدن الأخرى تضم كل أنواع التسول «المتسولين للحاجة ،المتخصصين في التسول ». وقد أوضحت «للصحافة» مواهب خليل محمد حسن أستاذة علم الاجتماع بجامعة الخرطوم أن التسول آفة اجتماعية لايمكن ان نتجاهل العلاقة ما بينها وبين الفقر باعتبارها افرازا للأوضاع الهيكلية في النظام الاجتماعي والاقتصادى ، وأن التفكك الأسرى والفقر والبطالة تلعب دورا كبيرا في خروج المتسول لممارسة هذه المهنة وينخرط ضمن هذا السلوك الانحرافي . ويعتبر التسول من المشكلات الاجتماعية المرضية الخطيرة التي يعانى منها الفرد وتعكس الكثير من الظواهر السالبة على جميع القطاعات ، ويتركز انتشار هذه الظاهرة بأنماط الاقامة الحضرية أكثر من الريف ،فهي تعتبر وبدرجة كبيرة ظاهرة حضرية لان المجتمع الحضري يهيئ الجوء المناسب للانحرافات سواء كان ذلك تسولا أو انحرافات سلوكية أخرى . وأوضحت مواهب أن أخطر ما في الأمر ادخال فئة الأطفال في عملية التسول وما يترتب عليها من آثار سلبية ضارة على الطفل في المقام الأول ثم على المجتمعات بصفة عامة، خاصة وأن هذه الظاهرة أخذت في الانتشار والتفاقم في الآونة الأخيرة، وهذا يؤدى الى ما يمكن وصفه بالحرمان والاستبعاد الاجتماعي لشريحة مهمة من المجتمع وذلك بمنعهم من الحصول على التعليم واكتساب المهارات التي تمكنهم بأن يصبحوا أفرادا بالغين قادرين على الاسهام في النمو الاقتصادي . وفى نفس الاتجاه ذهب البروفيسور عبد الغفار محمد أحمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم بأن التسول يعتبر من أكثر الآفات التي تسئ للمظهر الاجتماعي العام للمجتمع ، ونظرا لان المتسولين أصبحوا ممثلين لطريقة حياتهم ومتكيفين مع الدور الذي يلعبونه في المجتمع والذي يساعد على تشكيل اتجاهاتهم نحو الناس وطريقة الحياة ونوع النشاط المرغوب فيه كما أنهم ينقلون أنماط حياتهم لبعضهم ولا بنائهم في سياق عمليات تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين وتنشئتهم لأبنائهم . ويعد التسول مشكلة شديدة التعقيد وعلي المجتمع أن يتضافر للحد من انتشاره واعادة تأهيل هؤلاء وتكييفهم مع الأنماط السلوكية التي يرغبها المجتمع . وكانت وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم قد وضعت بعض المعالجات في وقت سابق من العام الماضي بتعيين أكثر من 500 مشرد في وظائف ثابتة ، وتعيين شرطة لمكافحة التسول يعاونها باحثون اجتماعيون، وأوضحت الوزارة في ذلك الوقت أن الهدف الاستراتيجي هو تجفيف الخرطوم تماما من المتشردين وهذا الهدف تعمل عليه جملة من البرامج الاقتصادية بتكلفة قدرها 400 ألف جنيه التزم بتوفيرها والي الخرطوم ،وأن جهودها أسفرت عن ضبط 600 متسول أجنبي منهم 100 طفل أعمارهم نحو عشر سنوات وذلك في يوم واحد وفى منطقة محددة . وأن وراء هؤلاء المتسولين عصابات تعمل على تجميع الأموال وتهربها للخارج. وأن الوزارة قامت بترحيل عدد كبير من المتسولين الأجانب على مراحل ودفعات، فقد بلغت المرحلة الأولى 185 متسولاً. كما أكدت ادارة الرعاية الاجتماعية بولاية الخرطوم بتوزيع 30 نقطة للمتسولين لمعالجة ظاهرة التسول بالولاية وذلك بالتنسيق مع الشرطة وأمن المجتمع وتوزيع باحثين على ثلاث محليات على أن يكون كل باحث مسئولا عن عدد من المتسولين وبالتنسيق مع مؤسسة التنمية للرعاية والتي تتبع للوزارة تعمل على تمليك مشاريع للمتسولين وقد بلغ عدد المتسولين المسجلين 303 متسولين . ومن هنا يتضح جليا أن التسول أصبح هاجسا لمعظم دول العالم الثالث خاصة لدى الأطفال وألقى بآثار سلبية عليهم في المقام الأول ومن ثم على المجتمعات بصفة عامة ، وهنالك احصائيات وتقديرات تؤكد مدي خطورة ظاهرة التسول التي باتت جزءا من الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في كل مجتمع معيقة للتقدم والتنمية .