عاد برفقة زوجته الى دارهما حزيناً مقهوراً بعد غياب بضعة ساعات تعرض فيها الى القهر والذل . الواقعة كانت فى عيادة طبيب إختصاصى شهير والمريضة زوجته التى تعانى ألاماً مبرحة فى ظهرها أثرت على حركة رجليها زار مع زوجته خلال تلك الفترة معظم الإختصاصيين حتى أشار إليه احد أصدقائه أن الإستشارى ( س) سيعالج حالة زوجته إذ اشتهر بعلاج مثل هذه الحالات . ذهب الرجل مستبشراً الى عيادة الإستشارى ( س) ووجدها مكتظة بحالات تشبه حالة زوجته وحالات آخر وتمكن من حجز موعد لمقابلة الاستشارى بعد عشرين يوماً وكان فرحاً ان زوجته سيكتب لها الشفاء بعد معاناة طويلة من الألم . جاء وزوجته فى الموعد المحدد ورغم الرسم العالى الذى فرضه الاستشارى على مقابلة المرضى إلا أنه لم يهتم بذلك كثيراً وبالفعل عرضت الحالة على الاستشارى (س) الذى لامس مواقع الألم وطلب من المريضة اجراء بعض الفحوصات وحدد لهم العيادة التى ستجرى فيها وانها ستكلفهم مبلغ كذا من المال ولأن المبلغ كان فوق طاقة الزوج الموظف فلقد خرجت بعض الكلمات العفوية منه للاستشارى « يادكتور ماممكن تخففوا علينا شوية » انفعل الاستشارى وغضب وصاح فى وجه الزوج طالباً منه أن يعيد الروشتة التى بيده بل ونزعها منه وقام بتمزيقها وقال له بالحرف الواحد : « العيادة دى مافتحناها للزيكم امش للسكرتيرة شيل قروشك » .. سألنى هل من حق الطبيب أن يمزق الروشتة بعد تسليمها للمريض ؟ راجعت قسم أبقراط الذى أقسم عليه هذا الطبيب ووجدت فى أول فقراته يقسم أن يؤدى بقدر طاقته منفعة المرضى وان يمتنع عن كل ما يضر بهم وتدنى منهم بالجور عليهم . وقسم أبقراط «Hippocratic Oath» هو قسم اخلاقى وضعه الطبيب اليونانى أبقراط الذى عاش فى الفترة من 460 - 370 قبل الميلاد وكان أعظم أطباء عصره وهو أول مدون لكتب الطب وأشهره هذا القسم الذى يقسمه الأطباء فى جميع انحاء الدنيا للإلتزام باداء أخلاقى وتعامل محفوف بالأجواء شبه المقدسة بين الطبيب ومرضاه . هل حنث هذا الإستشارى بقسمه او فلنقل هل خالف هذا الطبيب أخلاقيات مهنته وهى مهنة يسمو الجانب الخلقى فيها ولا تؤدى إلا محفوفة بأخلاقياتها التى تسهر المجالس الطبية والنقابات المهنية على حراستها وتلزم كل من ينتسب الى مهنة الطب بها وكم من طبيب تجاوز هذه الأخلاقيات المهنية فادى به سلوكه هذا الى السجن او الى السحب النهائي لترخيص مزاولته لمهنة الطب . أذكر فى منتصف الثمانينيات رافقت قريباً ومعى مجموعة من الأهل الى عيادة عيون كان طبيبها يجرى العمليات الصغيرة بها وبعد أن تسلمت سكرتيرة العيادة رسوم العملية و تم تجهيز مريضنا خرج علينا الطبيب مستنكراً وجودنا فى عيادته وان ذلك يؤدى الى تلوثها واستشاط غضباَ ابن المريض ورد عليه « عيادتك العفينى دى نلوثا نحنا والله كان عارفين كدى ماكان جبناهو ليك» . قرأت فى أحد المواقع العربية أن مريضاً اجرى له طبيب عملية جراحية فى بطنه وطلب منه أن يعوده بعد أسبوع ليفك أربطة العملية وكانت ستة ولما جاءه فى الموعد سأله كم معك من مال فذكر أربعمائة ليرة فقال له سنفك الأن أربعة وعندما تحضر المائتى ليرة نفك المتبقى . ليست هذه طرفة وانما واقعة سردها من يرى ان قسم أبقراط تحول من الإنسانية الى التجارة . المجلس الطبى السودانى زاد على قسم أبقراط قسماً استخلصه من تجاربه السودانية والتجارب العالمية يؤديه الأن كل من يعتزم ممارسة مهنة الطب فى السودان وأول فقرة فى هذا القسم نصها « أن أكرس حياتى لخدمة الإنسانية » .