لو اطّلع القراء الكرام على كتابي اللواء الركن د. الطيب إبراهيم محمد خير.. الطريق إلى بور عن عملية لقاء الأبطال وفك الحصار عن مدينة بور.. وصفع الأراجوز عن عملية تحرير راجا.. لعلموا «بعضاً» من تضحيات قواتنا المسلحة الباسلة التي قاتلت بلا كلل أو ملل على مدى نصف قرن من الزمان بلا استراحة محارب.. وهذا قدرها.. أن تقاتل المتمردين والخوارج في ما يصطلح عليه عسكرياً بعمليات الأمن الداخلي وهو أمر معقد جداً.. أن تقاتل «وتحافظ» في الوقت نفسه على أرواح وممتلكات المواطنين!! ولو كانت هي الحرب، بمفهومها التقليدي المعروف وهو تدمير قوة العدو المادية والمعنوية لحسمت قواتنا المسلحة الأمر في وقت وجيز.. وقدر القوات المسلحة يعرفه كل ابناء السودان بوجه عام.. لكن التضحيات الجسام التي قدمها ابناء القوات المسلحة.. والمهام العظام التي اضطلعوا بها.. والرجال الكرام الذين اعطوا بلا من ولا اذى.. قادة وضباطاً وصف ضباط وجنوداً.. ظلت بمنأى عن الإعلام.. ونحيي جهود اللواء د. عمر النور أحمد مدير المتاحف والتاريخ العسكري لحفظ وتوثيق تلك السيرة العطرة للرجال.. والمسيرة المباركة لكل افرع ووحدات وتنظيمات قواتنا المسلحة مصدر فخرنا وعزنا «كلنا جميعاً».. ولئن كانت مؤسساتنا الإعلامية والثقافية لم تقدم لنا حتى الآن عملاً وثائقياً كبيراً عن هذه السيرة الضخمة في ما مضى.. فإن الفرصة لا تزال متاحة أمامها للتوثيق وحفظ حق الأجيال القادمة في الاطلاع على ذلك الماضي المؤثل استشراقاً للمستقبل الزاهر بإذن الله.. وقد ودّعنا تلك اللافتة الشهيرة «منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير» فقد صار التصوير يأتينا من الفضاء اللا متناهي وأصبح بإمكان أي متصفح للنت أن يدخل على موقع «جوجل» ليرى كل تفاصيل الكرة الأرضية «ما عدا إسرائيل» وكأن من وضع الخرائط على الشبكة العنكبوتية.. قد قرأ ما هو مكتوب على جواز السفر السوداني الصالح لكل الدول «ما عدا اسرائيل».. ومع ذلك.. فقد تمكن بعض حملة الجواز السوداني من الدخول إلى إسرائيل والإقامة فيها وفتح مكاتب لهم، إنها عبارة بلا قيمة حقيقية مثلها في ذلك مثل نقاط التفتيش الليلي زمان.. بلا مردود. يجوا عايدين الفرقة المهندسين.. يجوا عايدين ضباط مركز تعليم.. يا الله هكذا جاءت كلمات تلك الأهزوجة.. يجوا عايدين الفتحو كرن باينين.. وهم الضباط الذين حاربوا ابان الحرب العالمية الثانية وقادوا جنودهم الاشاوس في كسلا والقلابات وكرن في شرق السودان فقد كانت بُلكات سلاح المهندسين هي التي نزعت الألغام واقتحمت جبهة المحور.. وقد قام سلاح المهندسين بديلاً عن ما عُرف بسلاح التشهيلات والذي عمل فيه عبد الله خليل وفضل المولى التوم وأحمد محمد حمد الجعلي وإبراهيم عبود وعبد الرحمن الفكي وجميعهم من خريجي كلية غردون التذكارية قسم الهندسة وقد تلقوا تدريبهم العسكري في المدرسة الحربية على دفعات متفاوتة.. وقد وضعوا بصماتهم كذلك في تاريخ بلادنا السياسي.. مثلما تأسست على أكتافهم وحدات قواتنا المسلحة فقد أصبح عبد الله خليل كبيراً للمعلمين بالمدرسة الحربية وقد صار رئيساً للوزراء فيما بعد تقاعده للمعاش.. وفضل المولى التوم كان أول قائد لسلاح المهندسين.. وأحمد محمد حمد الجعلي سودن منصب القائد العام للجيش السوداني وهو اليوم الذي تحتفل فيه القوات المسلحة بعيد الجيش.. وإبراهيم عبود أصبح رئيساً للسودان بقيادته للبلاد في 17 نوفمبر وقد اشتهر في عهده عدد من ضباط المهندسين من أمثال أحمد رضا فريد وأحمد عبد الله حامد.. ومحيي الدين أحمد عبد الله.. والطاهر عبد الرحمن المقبول وحمد النيل ضيف الله.. وعوض عبد الرحمن صغير.. وعبد الرحيم شنان وحسين علي كرار.. و«يوسف الجاك طه» -أطال الله عمره- وهو لا يزال متقد الذاكرة وإن كُفّ بصره بارك الله في أيامه، ورحم الجميع بغفرانه. وتمر هذه الأيام ذكرى تأسيس سلاح المهندسين الثانية والستين ويقوده اللواء الركن حسن صالح عمر وهو من «كنوز الأسرار» وقد كان لسلاح المهندسين شرف كسر شوكة غزوة أم درمان وقدم خيرة ابنائه شهداء في تلك الواقعة المشهودة فلولا بسالة المهندسين لدنست أقدام الغزاة الخرطوم عاصمة بلادنا القومية. وما بين القائمقام فضل المولى التوم.. واللواء حسن صالح تمتد قائمة الشرف لأسماء كبيرة عملت في سلاح المهندسين الأمين عجباني.. وعوض عبد الرحمن صغير.. محمد يحيى منوّر.. أحمد المأمون أيوب.. المصباح الصادق.. محمد توفيق خليل.. وجنكيز.. والرشيد أبو شامة.. وحمد الزبير حمد الملك.. وفيصل منصور شاور وعبد الرحمن سعيد.. وتاور السنوسي الغائب وغيرهم كثيرون تطول بهم القائمة.. وتطول معهم أعناق ابناء سلاح المهندسين.. فالتحية لهم أحياءً وامواتاً. فإذا ما رأيت طابور سير يجوب شوارع أم درمان والموسيقى العسكرية تصدح بين جنباته فأعلم أن سلاح المهندسين فتح التجنيد..تأميد أو نصف تعيين.. فهو السلاح الذي يجند في سرية الأولاد من يسيرون في دروبه حتى سن المعاش.. سلام سلاح لسلاح المهندسين. وهذا هو المفروض