التوزيع غير العادل لمياه الشرب لا يقتصر على منطقة غرب كردفان التي يوجد بها ما يعرف وسط الجيولجيين باسم مثلث العطش، في منطقة الصخور الأساسية التي تمتد من كردفان وحتى دارفور، وهي صخور لا توجد بها مياه عكس الصخور الرسوبية الحديثة التي تمتد من بحيرة الداخلة شمالا وحتى أم روابة، لتشمل حوض أم روابة الجوفي، وحوض بارا، وحوض النهود، وحوض صقع الجمل، وتحوي كمية من المياه تبلغ 13 مليار متر مكعب، ولكن عدم العدالة في توزيع مورد المياه يشمل أيضاً منطقة النيل الأزرق والتي يبلغ العجز في مياه الشرب بها 97%، وتتمثل نسبة ال3% في الشريط النيلي حتى الحدود الشرقية، وتستفيد منها قرى شرق الروصيرص، وتصل المأساة قمتها في الأنقسنا، حيث يعتمد الأهالي على الحفائر وتخزين مياه الأمطار، وتحمل النساء جوز الماء من على بعد 25 كيلومتر.. هذا وتعتبر التقديرات الرسمية أن انسياب النيل الأزرق أقل انسياباً في العالم استهلاكاً للماء، حيث يستهلك 2 لتر يومياً بينما يصل الحد الأدنى للاستهلاك الآدمي20 لتراً يومياً، وينخض الى 17% في معسكرات النزوح مما يجعل المنظمات العالمية تدق ناقوس الخطر. الموضوع لا يتعلق بأسباب متعلقة بالطبيعة، والتي لم يظهر لها أثر على الأقل في التقييم الرسمي لأزمة مياه النيل الأزرق، والتي ارجعتها تلك التقديرات لأسباب إدارية تتمثل في تخصيص الموارد في غير الوجهة التي حددت من أجلها.. من ناحية أخرى تهطل على أراضي السودان 400 مليار متر مكعب من المياه، استطاعت وحدة تنفيذ السدود أن تحصد منها فقط 45 مليون متر مكعب في حصادها لعام 2013م- حسبما جاء في مجلة سد مروي في عددها لشهر نوفمبر من نفس العام المذكور- مما يظهر أن المشكلة لا تتمثل في قلة المياه بقدر ما تتمثل في قلة المواعين التخزينية وتقسيمها بعدالة، كما تعكسها نسبة توزيع الحصاد سالف الذكر الذي تم على حساب القرض الصيني، والذي استحوذت منه الخرطوم على 40 مليون متر مكعب من جملة ال45 مليون متر مكعب، علماً بأن معظم أعمال الحصاد الجديدة تمت بعيداً عن النيل في مناطق أم درمان وشرق النيل، كما لا تعود الأسباب الى أن الخرطوم بها نسبة تركز سكاني عالية، فهي وبرغم موجات الهجرة التي جاءتها من كل أنحاء السودان، إلا أن عدد سكانها ما زال أقل من عدد سكان دارفور برغم كل الهجرات التي خرجت منها بسبب الوضع الأمني المتدهور، مما يشير الى أن عدم العدالة في توزيع المياه كما يعكسها حصاد عام 2013 يعود لأسباب لا نعلمها، واضعين في الاعتبار أن القطاع المطري التقليدي في كردفان ودارفور والنيل الأزرق يساهم بأكثر من 46% من الناتج القومي الاجمالي، لكن ما يلاحظ على الحصاد المذكور الى جانب عدم العدالة في توزيع المياه أيضاً أنه قد حول حق الإنسان في الحصول على الماء كما هو منصوص عليه في وثيقة الحقوق الاقتصادية- الاجتماعية والثقافية التي وقع عليها السودان الى سلعة تتحكم في بيعها المحليات، بعد أن تقوم وحدة تنفيذ السدود بتسليمها لمشاريع المياه، والتي يفترض أن يكون تنفيذها قد تم على حساب القرض الصيني واجب السداد على حكومة السودان، وذلك بعد تحويل مياه الشرب من هيئة توفير المياه التي آلت أصولها الى الحكم المحلي، في إطار إعادة الهيكلة لتحويل جهود الاقتصاد السوداني، كما تقتضي الشراكات الاقتصادية التي دخلت فيها حكومة السودان مع المؤسسات المالية الدولية.. لكن جهود الخصخصة والتحريك تلك لم تتمخض سواء عن 45 مليار متر مكعب من جملة 400 مليار متر مكعب، وبنسبة انجاز لم تبلغ 1%.