ابدأ بحمد الله والثناء على الكريم المتفضل ربنا وأصلي واسلم على النعمة المهداة والرحمة المسداة سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام البررة. وبعد.. لقد منَّ الله علي أن أكون من الذي أكرمهم الله بحج هذا العام 5341ه وكنت ضمن الفوج الثاني لشمال كردفان تحت إمارة يوسف أحمد الحاج، وأنا أكتب وحقاً لا أعرف من المسؤولين ولا من بعثة الحج أحداً، لكنها شهادة أرى أنها واجبة، وتقييم قد يندرج في صفحات الإصلاح والتقويم، خاصة وقد كان فضل الله علي كبيراً، إذ إنني بدأت الحج في الستينيات وتكرر عددا ولكل رحلة ذكرى عذبة وتجربة فريدة، وقد كبرت سناً، ولكن اسأل الله أن تتكرر هذه المنة واحج مرة أخرى أو أكثر، فتحط الذنوب وترفع الدرجات، لقد كنت في صحبة طيبة من أهل كردفان يحنون علي ولا أبخل بشيء من علم وتجارب سابقة.. قبل أن تبدأ الرحلة كان علي استخراج الجواز القومي الجديد، وقد ترددت على شباك الاستلام لأكثر من عشرين يوماً، قالوا إن الشبكة (طشت)، ما أصعب ذلك لصائم في رمضان.. وتمت الاجراءات وحان يوم السفر، وكان الوفد الثاني قد وصل الى الساحة الخضراء، وباتو بالعراء والتحقت بهم وتحركت البصات- أحد عشر بصاً- جميلة مكيفة تمشي الهوينا خلف سيارات الحركة، تقف لقضاء الحاجة والتزود بالطعام والماء حتى سواكن، التي أعد فيها سكن للحجاج في فنادق، والغرفة بها اربعة أسرَّة بمستوى لا بأس به، والأسواق بها كل ما تحتاجه، غير أن البؤس يبدو على أهلها، وفي اليوم الثاني كنا على ظهر الباخرة المصرية الضخمة التي نقلت كل الحجاج الى جدة في خمس عشرة ساعة لكل راكب سرير، ما عدا مجموعة لم توفر لهم أسرة، وبها حمامات كافية، وبوفيهات تقدم الوجبات، وصالات، ومصلى، الى هنا لم تقدم البعثة للحجاج طعاماً، وعلى الحاج أن يصرف على نفسه، واستمر الحال بعد النزول في فندق جدة، الذي كان بمستوى لا بأس به، وكان المبيت فقط، ونقلنا الى مدينة الحبيب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلنا بفندق قريب من المسجد خمسة عشر طابقاً به غرف متميزة، بكل غرفة حمام وأربعة سرائر به صالة استقبال وصالة أعدت للوجبات للرجال، وأخرى للنساء، وكانت نسبة النساء 06% من الحجاج، وكذلك نسبة الذين تزيد سنهم عن 05 سنة 07% تقريباً، وقد أعد الطعام وقدم في بوفيه يبدأ الفطور الساعة 7 صباحاً، يقف له الحجاج في صف طويل وقت الذروة، وذلك لأن فندقنا كان به أكثر من 0051 حاج وحاجة، يأخذ الحاج طبق يوضع له فيه فول بدون زيت أو عدس، واثنين قطعة جبنة، وبيضة وسلطة، ومربى كافي جداً كفطور- حسب تقديري- معه علبة عصير وزجاجة ماء، ويقدم الشاي مع لبن بدرة، أما الغداء يقدم الأرز، وسمك مطبوخ أو محمر أو فراخ وخضار مطبوخ، وسلطة ومخلل وعلبة عصير وبرتقالة أو تفاحة وزجاجة ماء، ثم الشاي، قد ينقص هذا شيئاً أو يزداد شيء، كان هذا في المدينة وفي مكة.. أما مني فكانوا يقدمون صندوقاً به أرز وكفتة مطبوخة أو دجاجة مع الأرز وتقدم الفاكهة والماء متوفر في منى في الحفاظات الكبيرة، غير أن الكرم السعودي كان يغمر الحجاج في منى وعرفة من مختلف المأكولات والفواكه، واللبن رأينا نساءنا يحملن منها الكرتين الى المعسكر وكذلك الشباب منا. لم نكن في حاجة للترحيل داخل المدينة لقرب المسجد، أما في مكة فقد كانت بصات الترحيل تقف لنا كل أوقات الصلاة تحت الفندق، مع أن الترحيل الجماعي مجاناً الى الحرم ومنه، ومن منى الى عرفة كان الأمر سهلاً إذ بتنا ليلة الوقوف بتنا بعرفة، أما في عرفة الى منى فقد كانت البصات لا تفي بحاجة الحجاج، مما اضطر أكثر الحجاج للذهاب راجلين الى مزدلفة ومنى، وهذا بسبب اكتظاظ الطرق بالسيارات والمشاة، ولم تكن هناك سيارات في داخل منى الى الجمرات، ومنها الى المعسكرات، ومنعت السلطات السعودية البصات في وقت الذروة أيام التشريق من العمل، بسبب اكتظاظ كل الطرق بالحجاج، ورجعت بعد اليوم الرابع للعيد.. لقد كان لامراء الأفواج وعلماء البعثة دور مقدر في الإرشاد والتوجيه، وقيادة الوفود في جميع المشاعر والطواف والسعي واللقاءات التنويرية.. كان بالفندق بعثة طبية غير أني بحمد الله لم احتج لهم ولا أعرف عنهم شيئاً، غير إننا قد وزعت علينا كمامات، وكان استخدامها ضعيف وشرائح منها خمسة ريال، وهو مبلغ ضعيف جداً. اسأل أن يفدنا مرة أخرى وأن يتقبل من الجميع، وأن ييسر لمن لم يحج الحج مرات ومرات نعم المولى ونعم النصير.