قبل شهور من توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا وعندما بدأت ارهاصات السلام تلوح في الأفق. فكرت بيني وبين «نفسي» في استباقه. ولدت في رأسي فكرة إجراء استطلاع أشبه بالاستبيان وسط الناس بالشمال، واخترت شندي والمتمة نموذجاً لأسباب عدة منها مقولة جون قرنق الشهيرة بعزمه شرب القهوة في المتمة! وجاءت ردة الفعل آنذاك في القصيدة التي طبّقت شهرتها الآفاق «هات من دار جعل» لشاعرة عصامية أكدت فيها استحالة شرب القهوة في المتمة بتلك الطريقة التي قالها الراحل د. جون قرنق!! الآن صاحب المقولة والشاعرة غادرا الدنيا الفانية وتبقى العظات والدروس والمواقف حية ما بقيت الشعوب على ظهر البسيطة!! المهم ذهبت إلى هناك وعديت (بالبنطون) الذي ذهب هو «الآخر» الى ضفة أخرى. وأضحى من علامات الماضي بعد قيام الجسر!! وللتاريخ فإن هذا الكبري الذي يمتد الآن بين شندي والمتمة كان حلماً يراود المرحوم والمناضل الجسور عبد الله الحسن المحامي ابن المنطقة ونقيب المحامين في العهد الديمقراطي ولا زلت أذكر واحدة من كتاباته الطريفة عن الكبري في يومياته التي كان يكتبها بصحيفة الأسبوع الأولى أيام الديمقراطيةالثالثة!! فقد كتب وهو في البنطون يرصد معاناة الناس والدواب على ضفتي النهر كتب قائلاً (سألت نفسي وأنا في هذه الحال لماذا لم تُشيّد الحكومة الكبري ولماذا لم تلغِ قوانين سبتمبر!! ولا شك أن القاريء يلحظ الطرافة والذكاء في الجمع بين قضيتين على طرفي نقيض!! لم تسعف الأيام الراحل عبد الله الحسن المحامي ليرى حلمه قد تحقق بقيام الكبري دون الحاجة لإلغاء قوانين سبتمبر!! والموقف هنا يشبه ما دار في دومة ودحامد للطيب صالح فقد قال لهم الخواجة لا بد من إزالة الضريح ليتسنى لهم تشييد المشروع الزراعي ومرسى الباخرة وحدثت معركة ودخل بسببها الأهالي السجن وبعد برهة من الزمن اكتشف الجميع أن المكان يسع للباخرة وللمشروع الزراعي وللضريح ولا حاجة لإزالته!! هل استرسلت طويلاً!! لا بأس المهم عدينا البنطون وذهبنا للضفة الأخرى من النيل وبدأت استطلاعاتي وحواراتي وسط السكان هناك وكان سؤالي المباشر!! والآن السلام في الطريق هل سيشرب قرنق الجبنة في المتمة؟ ... وغداً نواصل!!