قلت أمس في هذه المساحة إنّنا حاولنا استباق السلام باستطلاع عام وسط الناس العاديين حول رؤيتهم للقادم!! وسردنا رحلتنا إلى شندي والمتمة وعبورنا بالبنطون للضفة الغربية وسألنا أهل المتمة!! قرنق جاي يشرب الجبنة عندكم!! وكانت الإجابة تلقائية وبسيطة!! حبابو وليست الجبنة وحدها!! سننحر الذبائح للقادم في ظل السلام!! لم أجد رأياً نشاذاً!! ونحن نتجول هناك!! صحيح قد نجد إجابات «بره الشبكة»!! ولكنها لا تخلو من براءة!! وعدم إلمام بكثير من جوانب القضية!! ü عبرنا مرة أخرى النهر في طريقنا لمدينة شندي وكان المعتمد آنذاك «شيخ العرب» اللواء الفاتح عبد المطلب وذهبنا إليه في مكتبه!! وهو رجل الحرب والسلام أيضاً!! طرحت عليه الأسئلة ووجدته كأنه «كان» في انتظاري!! تحدث لي طويلاً عن مرارات الحرب والاقتتال وهو محارب تعرفه أحراش الجنوب جيداً!! ثم تحدث لي عن هذه المنطقة المظلومة سياسياً!! وينظر لها البعض نظرة لا تخلو من رؤية غير سليمة وظالمة وقدّم لي فذلكة تاريخية حول التعايش السلمي والحضاري بين سكان المنطقة الأصليين وأغلب الهجرات الوافدة من جنوب السودان وشرقه وغربه وحتى غرب أفريقيا!! قال اللواء الفاتح إنهم وضعوا خطة سكنية وضعت النازحين ضمن «مربعات» المدينة الداخلية ولم تخصص لهم أحياءً طرفية كما يحدث في أغلب الأحيان!! وتمنى عليّ أن أقوم بجولة ميدانية «حرة» لأتعرّف على الواقع وأزور تجمعات الأخوة الجنوبيين وأسألهم كيف يعيشون؟ وماذا وجدوا من معاملة؟ وما هي المشاكل والمضايقات التي يشتكون منها!! وطفنا في عدة أحياء و«مربعات» في المدينة القديمة والأحياء الحديثة وفي السوق. وصادف أن وجدنا ضابط السوق من أبناء ولاية الوحدة! وقال لي إنه لا يجد فرقاً بين حياته في مدينة شندي أو في بانتيو!! وطلب مني أن أزور شيخ الدينكا والذي للأسف نسيت اسمه فأنا أكتب من الذاكرة!! والطريف في الأمر أنني عندما ذهبت للسؤال عن بيته قيل لي إنه يملك منزلين في شندي!! وذهبنا للبيت الأول وأظنه قريب من منازل الري التي تقع على مقربة من النيل وكان الوقت عصراً وفتح لنا الباب ابنه الصغير وعندما سألناه عن الوالد قال أبي في هذا الوقت ستجدونه إما في القهوة «الفلانية» في السوق أو مع أصحابه في «شندي فوق» وذكر لنا اسم صاحب دكان نسينا أيضاً اسمه وذهبنا إلى هناك ووجدنا شيخ الدينكا ومعه مجموعة من أعيان الحي في جلسة عصرية تشبه أي جلسة عصرية عادية في قرى ومدن السودان!! ويبدو أنه ومن معه أصدقاء!! وتحدّث لي بكل سرور وقال إنه وأهله الدينكا هنا في شندي مرتاحون مع «أبناء عمومتهم» الجعليين!! وليس هناك ما يشكون منه فالسودان واحد وكذلك أبناؤه وأعلنوا استبشارهم بالسلام القادم وفي نهاية اللقاء والذي نشرته لاحقاً في صحيفة أخبار اليوم حيث كنت أعمل قلت له يا شيخنا كلمة أخيرة فرد ضاحكاً!! قول لعمر البشير عمك داير لاندكروزر وافترقنا ضاحكين وأيقنت أن قرنق هذه المرة سيشرب الجبنة بمزاج في المتمة!! ... ونواصل