لن يباع في أي يوم من الأيام بيت الزعيم إسماعيل الأزهري لأنه- ببساطة- أصبح رمزاً وطنياً لا يخص أسرة الزعيم الخالد وحدها.. لن يباع بيت الزعيم لأن الشعب لن يبيع رمز استقلاله.. فهل ينتظر أن يبيع الشعب بيت رافع علم الحرية؟ بيت الأزهرى عقار كغيره تنتقل ملكيته إلى ورثة الزعيم.. لكنه عقار (غير) بحكم رمزية الأزهري، ويكفي ما أثاره الخبر الكاذب عن اتجاه الورثة لبيع البيت الرمز.. جاشت المشاعر وانبرى كثيرون لمعالجة الأمر، وأعلن كثيرون استعدادهم- لا لشراء المنزل الذي لا يباع- بل لتحويله إلى صرح للحرية تعود ملكيته للشعب السوداني بأسره. يباع بيت الأزهري يوم أن يقرر السودان بيع تمثال بعانخي، ويوم أن تسمح الحكومة لمنقبين عن الذهب بهدم جبل البركل، ويباع بيت الأزهري عندما يقول ورثة الخليفة عبد الله إنهم يريدون بيع بيت جدهم الذي تحول إلى متحف، ويوم أن يبيع ورثة على دينار قصر السلطان في الفاشر، ويوم أن تقرر حكومة السودان بيع البرلمان الذي أعلن منه الإستقلال إلى مستثمر يريد تحويله إلى برج سكني.. لن يباع بيت الزعيم إلا إذا غيّر النيل مجراه من أرض السودان... ذاك النهر الذي هام يستلهم حسناً، فإذا عبر بلادي ما تمنى، طرب النيل لديها فتثنى. الخبر أثار كوامن الشجون، وتساءل مشفقون على الصحافة عن سر اللهث وراء الإثارة حتى ولو كانت خبراً كاذباً عن شأن عائلي يخص أسرة ذات مكانة استثنائية.. وقد حرصت على استنطاق صاحب الخبر الذي أقر ببساطة أنه لم يتلق المعلومة من المعنيين، فعجبت كيف يستسهل محرر نشر خبر بهذا الخطر بلا إحساس يهول ما يقدم عليه، وهو ما دعاني لتقديم مقترح بأن تتبنى جهة ذات صلة بالصحافة عقد ندوة حول خطر حسن النوايا على ناشئة الصحفيين ! رب ضارة نافعة، لفت الموضوع الإنتباه لرموز أخرى مهملة أبرزها منزل السيد محمد أحمد محجوب بالخرطوم (2) المنزل الذي شهد المصالحة التاريخية بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل.. أصبح المنزل شبه مهجور بعد وفاة الأستاذ سيد محمد أحمد محجوب.. وهو الذي شهد معالم في حياة الزعيم العامرة، فهو السياسي الكبير ورمز الحركة الإستقلالية وممثلها في حفل رفع العلم، وهو الدبلوماسي الذي عرفته المحافل الدولية، وهو الأديب والشاعر الذي عرفته صالونات الأدب ودواوين الشعر، ومكتبات المعرفة.. يستحق بيته أن يكون مزاراً ومتحفاً يحكي ضمن مسيرة الزعيم الراحل مرحلة مهمة، من تاريخ السودان الحديث، تحكى للأجيال الناشئة التي لا تعرف الكثير عن آباء قدموا الغالي والنفيس من أجل هذا الوطن.